فى ذكرى ميلادها الـ100.. اليوم السابع ينفرد بنشر مذكرات طفولة روز اليوسف المعذبة بخط يدها عام 1942.. تكشف عن تمردها على كتب مدرستها بحثا عن الحرية.. أنجزت 10 صفحات فقط ورحلت قبل أن تكمل الحكاية

الأحد، 26 أكتوبر 2025 01:49 م
فى ذكرى ميلادها الـ100.. اليوم السابع ينفرد بنشر مذكرات طفولة روز اليوسف المعذبة بخط يدها عام 1942.. تكشف عن تمردها على كتب مدرستها بحثا عن الحرية.. أنجزت 10 صفحات فقط ورحلت قبل أن تكمل الحكاية روز اليوسف

كتبت بسنت جميل

طفولة منسية صنعت أسطورة صحفية..

المربية خديجة البطلة الغائبة فى حياتها.. 

التمثيل لزمها من طفولتها..

جرح ساقها كان أول علامة على طريق طويل من الصبر..

منذ 100 عام عرفت الصحافة المصرية مجلة روز اليوسف، التى كانت تجربة مهمة انطلقت يوم 26 أكتوبر من سنة 1925، هذه المجلة كانت وراءها سيدة مختلفة فى زمنها، شقت طريقها وسط الصعوبات، إنها الفنانة والصحفية والمؤسسة روز اليوسف.

وقد حصلت "اليوم السابع" ولأول مرة على مذكراتها بخط يدها، والتى تتحدث فيها عن طفولتها المعذبة وتعطى بعدًا إنسانيا جديدًا لهذه الشخصية التاريخية الشهيرة، حيث قسوة الأيام التى كانت السبب فى تكوين شخصيتها القوية والصلبة، وقد جعلت من  المربية "خديجة" بطلة مذكراتها.

ملمس المذكرات  أثار فى داخلى الحنين للماضى والدفء الذى كان يحيط بـ روزا فى لحظة الكتابة، وتخيلتها تكتب أمامى بقوة شخصيتها المعروفة وهى جالسة على مكتبها وأمامها "فنجان القهوة".

واكتشفنا أن التمثيل لازمها من طفولتها فكانت تمثل ما تتعلمه وهى بعمر الثالثة، لكن لسوء الحظ أن المذكرات لم تكتمل، وقد عثر عليها الكاتب والأديب الراحل إحسان عبد القدوس بعد وفاتها وكانت مهداة إليه وكتبت المذكرات فى يوم 15 مايو 1942.

وعلى الصعيد المهنى يعد عام  1942 مميزا فى حياة "روز" حيث إن مجلة روز اليوسف، قد أصبحت مؤسسة صحفية راسخة، خاصة بعد تحولها للتركيز على السياسة والتحقيقات الصحفية، ما يعنى أنها كانت لا تزال تلعب دورًا فاعلًا ومؤثرًا فى الساحة المصرية، وعلى الصعيد الشخصى تخرج إحسان عبد القدوس فى كلية الحقوق وأيضا كان عام زواجه.

أما المذكرات فنعرضها كما كتبتها العظيمة روز اليوسف كمسودة بضمير الغائب دون أن تعيد صياغتها فبعض العبارات كأنها نقاط.

الصفحة الأولى

فى قرية بالجبل فوق طرابلس، كانت تعيش فتاة فى منزل مكون من غرف واسعة، وكانت الفتاة مهووسة باللعب، وكانت المدرسة عبارة عن غرفة واحدة عالية، لها سلالم وبلاط.

وقعت من على السلم وما زالت علامة السقوط ظاهرة فى ساقها، كانت تتعلم العربية ودروس المسيحية، وفى وسط القرية، كان هناك نهر ترمى فيه كل يوم كتاب، وكانت خديجة تشترى لها كتابا ثابتا، كان لديها أب وأم، والمربية خديجة المسلمة التى تضع الطرحة البيضاء كعادة المسلمين، الأب لا تراه إلا نادرًا، والأم لا تشعر تجاهها بالحنان، وكانت تحب خديجة، وفى يوم بكت فى أحضان خديجة... «إن هذه ليست أمى، وهذا ليس أبى، وهى ليست مسيحية بل مسلمة، واسمها فاطمة".

الصفحة الأولى
الصفحة الأولى

الصحفة الثانية

"كان الولد شقى.. فحبسوها عنه لمدة ثلاثة أيام خوفا عليها فكانت تنام فى البلكون لتراه من الشباك.. أول حب" وتابعت فى نفس الصفحة "وصلت مصر سنة 1909، وهى تحددها بأنشودة الوردانى، وبالذكرى الأولى لجنازة مصطفى كامل.. "بشرى" نزل المطر وأصابتنا رطوبته فظلت مريضة فى حجرة خديجة مدة ثلاثة أشهر.. ولمعالجتها من مرضها كانت خديجة تنصحها بالسير مسافات طويلة من البشرى إلى الأرز .. فلازمتها ملكة الخير إلى اليوم،  فهى تجهل لماذا أرسلت خديجة إلى مصر فقد أرسلت سرا ... ففى يوم من الأيام جمعت القليل من ثيابها وسافرا مع عائلة من أصدقاء خديجة مكونة من أب وزوجة وابن وكان مسلم يشتغل خياط فى مصر وكان يزمع تصفيه تجارته فى مصر ثم ينتقل إلى أمريكا .. وأعطتهم خديجة بعض المال الذى كانت تقتصده وودعتهم وداعا مؤثرا.

وقبل أن ننتقل إلى الصحفة الثالثة تأكدنا أن "روز" كتبت فى الصحفة الأولى والثانية ما تريده وكأنها مسودة لما هو قادم، فالصفحات المقبلة  تشهد وضوح وتسلسل درامى واضح.

الصفحة الثانية
الصفحة الثانية

الصفحة الثالثة

"القرية راقدة فى هدوء فى أعلى الجبل الذى يحتضن مدينة طرابلس قرية صغيرة طيبة مبتسمة دائما، تفوح فى أرجائها رائحة زهور المشمش والتفاح، ومنازلها قليلة معدودة وأهلها أقويا أصحاء يشتغل معظمهم بين دودة القز ونسيج الحرير... وفى طرف القرية توجد المدرسة أو على الأصح "الكتاب" الذى يتلقى أطفال القرية مبادئ القراءة والكتابة ودروس المسيحية، والمدرسة عبارة عن حجرة واسعة تجتمع فيها الطالبات وغرفة صغيرة خاصة بالمعلمة، والغرفتان مرتفعتان عن سطح الأرض تصعد إليهما بدرجات عشر".

وفى هذه المدرسة ولدت فتاتنا بطلة هذه القصة، أو بطلة هذا التاريخ وتلقت دروسها الأولية وهى فى الثالثة من عمرها..

نفس الصفحة الثالثة: "ينتهى وقت الدراسة وتسرع الطالبات خارجات من المدرسة، فإذا الفتاة تقع من فوق الدرجات العشر وتنجرح ساقها جرحا عميقا وما زال أثره باقيا إلى أن كبرت وأصبحت سيدة عظيمة لها أولاد وأحفاد.. وتقوم الفتاة من الدرجات العشر وتجمع الكتب القليلة التى تبعثرت من حولها دون أن تبكى أو تصرخ أو تتوجع.. وتنظر إلى زميلاتها نظرة صامتة، جعلتهن لا يتكلمن".

وعند الانتهاء من قراءة هذه الصفحة، تستشعر أنك أمام شخصية فريدة تتشكل منذ الطفولة، الفتاة الصغيرة التى تسقط من على الدرجات العشر، لا تبكى، ولا تصرخ، بل تجمع كتبها وتنظر لصديقاتها نظرة صامتة حازمة، ليست طفلة عادية بل هى نواة امرأة عظيمة بدأت تتكون فى وقت كان من النادر فيه أن يسمع صوت النساء، أو يتم الاعتراف بأى دور لهن خارج حدود منازلهن.

الصفحة الثالثة
الصفحة الثالثة

الصفحة الرابعة

كتبت فقط بخط واضح فى نصف الصفحة وكأنها تريد عنوان كل فصل فى مذكراتها والتى جاءت بعنوان "كانت أيضا تمثل القصص التى يدرسونها لها"...

الصفحة الرابعة
الصفحة الرابعة

الصفحة الخامسة

كتبت تقول: لقد كانت دائما الرئيسية ودائما القوية ولم تكن تميل لهدوء الفتيات أو ضعفهن بل كانت فيها خشونة وكانت تميل إلى عشرة الذكور وإلى طريقة لعبهم ولهوهم، فهى لا تتذكر أنها رغبت أن تكون لها عروسة تلعب بها الفتيات، بل كانت كل هوايتها فى هذه السن أن تبنى بيوتا من الرمل والطين كما يفعل الأولاد الصغار ، وأن ترى وتتشاجر على طريقة الأولاد لا البنات..

ورغم ذلك كانت طيبة القلب، وكانت تبكى كثيرا ولكن لا تسمح لأحد كبيرًا كان أو صغيرًا أن يرى دموعها، كانت تبكى فى وحدتها بلا سبب ظاهر محسوس وإنما كانت تحس فى دخيلة نفسها أن هناك شيئا مبهما لا تعرفه لكنه يستحق البكاء..

وفى نفس الصفحة الخامسة: "وكانت بنات المدرسة يحبونها ويحبون رئاستها وقوتها.. وكان لا بد أن تمر فى طريق على نهر صغير يخترق القرية، كانت تمر على هذا النهر فى كل يوم وقد تعودت أن تلقى فى مياهه فى كل يوم كتابا من كتبها الدراسية هكذا تعودت دون أن تدرى منشأ هذه العادة".

وعندما تتوقف عند نهاية الصحفة الخامسة تكشف أن المرأة القوية والقيادية، التى تميل إلى لعب الأولاد وتتزعم البنات فى المدرسة منذ طفولتها، ليست مجرد شخصية حازمة أو خشنة الملامح، بل تحمل فى أعماقها عاطفة قوية وشفافة، لا يسمح لأحد بلمسها أو رؤيتها.

الصفحة الخامسة
الصفحة الخامسة

وفى الصحفة السادسة من المذكرات كتبت وكأنه فصل جديد آخر بعنوان «لم تكن تستطيع الجلوس كثيرا".

الصفحة السادسة
الصفحة السادسة

الصفحة السابعة

تقول روز: "وكل ما تذكره أنها تجد لذه كبيرة وهى تشيع كتبها السابحة فى مياه النهر حتى تختفى عن ناظريها.. إنها كانت تعرف ما ينتظرها من عذاب وعقاب عندما تفقد كتابا من كتبها ورغم ذلك كانت تصمم أن تلقى بها الواحد تلو الآخر فى مياه النهر وكان هناك من بين أهلها من يعوضها عن هذه الكتب بكتب جديدة كانت ترميها أيضا الواحد تلو الآخر فى مياه النهر!!".

إنها علامة ثورة.. ثورة على العلم وثورة على المدرسة.. وهو نوع من التحرر.. التحرر من صفحات ورموز تقيد عقلك الصغير الثائر.. والتحرر من أوامر المعلمة التى كانت تجبرنا بقسوة أن نفهم ما فى هذه الكتب من معان.. وقد ظلت ثائرة طول حياتها.

وفى والصفحة نفسها تقول روز "وصلت إلى منزلها.. المنزل المكون من حجرة واحدة واسعة، تطل على فناء.. به شجرة مشمش صغيرة كانت ظلالها الضعيفة ملجأ هذه الفتاة وهى مكانها المحبب الذى تخلو فيه بنفسها أو لتبكى أو تشغل عقلها الصغير القاصر بحل ألغاز الحياة التى تحيط بها، كان أصحاب المنزل رجلا وامرأة مسيحية علماها أنهما أبوها وأمها، فصدقتهما".

ثم تأخذنا إلى جوهر أعمق فى تكوين شخصية البطلة، حيث يتبين أن القيادة لم تكن هدفا فى حد ذاتها، ولا القوة غاية تسعى إليها، بل كانتا نتيجة طبيعية لروح حرة وثائرة، تميل إلى الاستقلال ورفض التلقين بل كانت تبحث عن معنى يخصها، وجاء ذلك من خلال التمرد الذى بدأ منذ الطفولة من خلال رمى الكتب فى النهر، لم يكن سلوكا عبثيا بل كان تعبيرا مبكرا عن رأى مستقل منذ طفولتها.

الصفحة السابعة
الصفحة السابعة

الصحفة الثامنة

تقول روزا: ولكنها لم تحس لما علموها.. فى نفسها أو فى قلبها.. لم تكن تحس أن هذا هو أبيها وأن هذه هى أمها.. لم تكن تلجأ إليهما عندما يعوزها الحنان ولم تكن ترى منهما ما يشعرها بهذا الحنان.

كان الرجل كثير الغياب عن الدار وعن القرية، وربما كان تاجرا أو مزارعا يملك مزرعة فى جهة أخرى فهى لا تتذكر عنه إلا القليل، بل لم تره فى حياتها إلا دقائق ولحظات وكان هذا ما يثير تساؤلها، فقد اعتادت المرأة كلما حضر الرجل إلى القرية أن تخفيها عنه وأن تبعدها إلى منزل آخر حتى لا تقع عينه عليها.. لماذا!! هذا ما لم تستطيع إدراكه إلا أخيرا.. وكانت المرأة تعتنى بها.. ولكن لم تكن تحنو عليها حنان الأم، وكانت تقسو عليها أحيانا كثيرة قسوة بشعة ولكن كانت تردد دائما أنها أمها.. وهى لا تذكر الآن اسم هذا الرجل ولا اسم هذه المرأة.

وكان  فى المنزل امرأة أخرى.. امرأة ما زالت تذكر اسمها، ولا زالت تذكر صورتها وهى فى جلبابها الأبيض الفضفاض وطرحتها البيضاء التى تلف بها رأسها وعنقها.. إنها امرأة مسلمة تدعى خديجة، وخديجة هى مربية الفتاة.. وهى التى تعطف عليها وتحبها وهى الإنسانة الوحيدة الذى سمحت لها الفتاة أن ترى دموعها...خديجة هى التى كانت تشترى الكتب للفتاة لترميها فى مياه النهر.

فى الصفحة الثامنة، تظهر لنا "روز"، أنقى حالاتها الإنسانية وأكثرها وجعا، فعلى الرغم من كل ما رأيناه فيها من قوة شخصية، وروح قيادية، وتمرد على التعليم والتلقين، تظهر هنا طفلة معذبة من الداخل، تفتقد أهم ما تحتاجه أى طفلة فى هذا العالم من الحنان والدفء الأسرى، لم تكن تدرى فى بداية طفولتها أنها طفلة "متبناة"، لكنها كانت تشعر بذلك فى قلبها دون أن تسميه، لمست الحنان فقط من مربيتها خديجة التى اخترتها لتكون بطلة حكايتها التى شعرت معها بالدفء والعاطفة، هذا الحب فتح عينها مبكراً عن الفرق بين الحب الحقيقى والحب الزائف.

الصفحة الثامنة
الصفحة الثامنة

الصحفة التاسعة

كتبت فصلا جديدا بعنوان "وأرغمتها أن تتذوق هذا اللوث (الروث).. محرومة ثلاثة شهور".

الصفحة التاسعة
الصفحة التاسعة

الصفحة العاشرة والأخيرة

وفى الصفحة العاشرة والأخيرة من المذكرات: "كانت تعطيها "شرانق" الدود لتستبدلها فى السوق بحبات الرمان التى تحبها الفتاة، كانت خديجة هى الشخص الوحيد الذى تحس نحوه الفتاة بعاطفة والشخص الوحيد الذى يبادلها العاطفة.. إلى أن كان يوم أحست فيه الفتاة الصغيرة التى لم تتجاوز الثالثة بحاجة تريد أن تقضيها فأسرعت نحو المرحاض ولكن حاجتها تغلبت عليها قبل أن تصل إليه ووقفت وسط الدار.. كما يحدث عادة للأطفال فى سنها".

ورأت المرأة التى تدعى أنها أمها فضربتها بعصى، ضربتها كما لم يضرب إنسان أخا له من قبل.. بقسوة توحش.. وزادت على ذلك أن أمسكت برأسها ووضعت وجهها الجميل الحلو فى الروث وبكت الفتاة بكت بكل دموعها وأسرعت إلى خديجة وارتمت بين أحضانها وقد اختلطت على وجهها الدموع بالروث.

وبكت معها خديجة التى لم يكن فى يدها أمر ولا حيلة، فهى مجرد خادمة ثم قصت عليها قصة.. قصة ما زالت تذكر كل حرف من حروفها الى اليوم.. قصة لم تطلع عليها أحدا إلا ولدها البكر بعد أن أصبحت هى سيدة عظيمة لها تاريخ ولها تاريخ ولها.. ولها أيام اجتمع فيها شعب بأكله ليصفق لها.

فى الصفحة العاشرة تمثل اللحظة الأكثر وجعا وتأثيرا فى رحلة الطفولة التى عاشتها «روز»، حيث تتحدث بصراحة نادرة عن قصة قسوة الأم المتبنية المتجردة من الرحمة والأمومة، وفى المقابل تتحدث عن المربية خديجة كرمز للنور والأمن وسط ظلام دامس، ولكن روز خرجت من تلك القسوة والقهر وأصبحت امرأة عظيمة يصفق لها الجماهير ولكن أثر التجربة كانت مازال محفورا فى ذهنها لسنوات طويلة.. ومن هنا، تطوى روز آخر صفحات مذكراتها، التى كتبتها بخط يدها لأول مرة، كاشفة عن طفولتها المعذبة التى صنعت منها واحدة من أقوى سيدات عصرها، كانت طفلة ترفض البكاء أمام أحد، إلا أمام من لامست فيه الحنان الحقيقى، مربيتها "خديجة"، تمردت على الكتب المدرسية، وعلى أسرة تبنتها لم تجد فيها دفء الأب ولا حنان الأم.

لكن هذا التمرد لم يكن عبثا بل كان بداية طريق النجاح.. وهكذا، تنتهى رحلة «روز» من الألم إلى المجد، من طفلة معذبة إلى سيدة تصفق لها الجماهير، وتحمل فى قلبها قصة لم يعرفها أحد حتى الآن..

نخرج من مذكرات روز لنقول إنها لم ترو قصة نجاح، بل درس فى التحول من دور الضحية إلى صانعة الأمل من طفلة معذبة إلى امرأة مؤثرة وقوية.

الصفحة العاشرة
الصفحة العاشرة
 
عدد اليوم السابع
عدد اليوم السابع

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب