تمر، اليوم، الذكرى الـ136 على ميلاد السياسي الكبير مكرم عبيد، أحد رموز الحركة الوطنية في مصر، إذ ولد مكرم عبيد عام 1889 في مدينة قنا بصعيد مصر لعائلة مسيحية مرموقة، درس القانون في جامعة أكسفورد، وحصل على ما يعادل درجة الدكتوراه في ذلك الوقت عام 1912، عمل سكرتيرًا لجريدة الوقائع المصرية، عُيِّنَ بعد ذلك أستاذًا في كلية الحقوق.
انضم عبيد إلى حزب الوفد عام 1919، وعمِل في مجال الدعاية والترجمة ضد الاحتلال، وامتد نشاطه الدعائي لإنجلترا وألمانيا وفرنسا، وعندما نُفي سعد زغلول، كثف عبيد نشاطه الدعائي ضد الاحتلال في الخطب والمقالات الوطنية التي كان يلقيها؛ ممَّا دفع الاحتلال للقبض عليه ونفيه.
شارك مكرم عبيد ابتداء من عام 1928 في عدة وزارات شُكِّلَتْ، فكان وزيرًا للمواصلات في وزارة النحاس باشا، وعُيِّنَ وزيرًا للمالية في الوزارة التي شُكِّلَتْ عقب معاهدة 1936، كما شارك أيضًا في ثلاث وزارات لاحقة تشكلت برئاسة كل من أحمد ماهر والنقراشي.
وقد نذر عبيد حياته المهنية كمحامٍ للدفاع عن المتهمين السياسيين، ولا تزال أصداء مرافعاته مسموعةً في تاريخ المحاماة في مصر، وربما كانت أبرز القضايا التي تولى الدفاع عنها قضية اتِّهام عباس العقاد بسب الذات الملكية.
نتيجة لهذا العطاء السياسي والنشاط المهني، اخْتِيرَ عبيد نقيبًا للمحامين ثلاث مرات. ويُعد عبيد من مؤسسي الحركة النقابية في مصر الحديثة؛ فقد كان الواضع الأول لكوادر العمال في مصر وما يخصهم من تأمين اجتماعي، وصاحب فكرة الضريبة التصاعدية ونظام التسليف العقاري الوطني.
عندما قامت ثورة 1919، وضع مذكرة في أعقاب إضراب الموظفين في نفس العام، قدمها إلى المستشار القضائي الإنجليزي يقترح فيها تحالفًا بين مصر وبريطانيا. وقد أرسله “سعد زغلول” إلى لندن للدعاية للقضية المصرية أثناء المفاوضات التي كانت دائرة بين إنجلترا ومصر.
ونتيجة لنشاطه السياسي والوطني نفي مع سعد زغلول إلى جزيرة سيشل في ديسمبر 1921، وعاد إلى مصر في يونيو 1923، وعندما جرت الانتخابات البرلمانية في نفس العام الذي عاد فيه رشح نفسه عن دائرة قنا، وقد فاز فيها بالتزكية. وقد اصطحبه سعد زغلول في رحلته إلى لندن عام 1924، أثناء المفاوضات التي جرت مع ماكدونالد. واعتقل في 27 نوفمبر 1924 بتهمة التحريض على اغتيال السردار لي ستاك.
وفي عام 1928 عندما شكل مصطفى النحاس وزارته عين مكرم وزيرًا للمواصلات، وفي عام 1935 أصبح سكرتير عام حزب الوفد، فكان من أبرز أعضاء الحزب والجبهة الوطنية شعبية وحظوة لدى الشعب. وقد تولى وزارة المالية سبع مرات بين عامي1930 و1946.
وقع خلاف بين مكرم عبيد ومصطفى النحاس، وأغلب الأعضاء من الذين فصلوا من حزب الوفد، فقاموا بتشكيل الكتلة الوفدية، وتولى مكرم عبيد رئاستها وأصدر لها جريدة خاصة.
وبدأ مكرم عبيد يجمع وقائع ما سمى فيما بعد بـ"الكتاب الأسود في العهد الأسود"، فكونه وزيرًا للمالية في وزارة الوفد العائدة بعد 4 فبراير إلى الحكم قد رأى كثيرًا من التجاوزات، وأخذ في رصدها وفي جمع الوثائق، وعليه طبع مكرم عبيد الكتاب الأسود، بمعاونة من القصر، ورفع عريضة بأحوال البلد إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الملك وكانت هذه العريضة هي الكتاب الأسود، ويروى فيه ما حدث في حزب الوفد، ما يعتبره الفضائح والمصائب، وكل ما جرى، ومن ثم تقدم بالعريضة الكتاب على شكل استجواب أمام مجلس النواب، ووقف يعرض وقائع استجوابه، ولكن جاء الكتاب الأسود، وجاءت الردود عليه أمرًا فادحًا. وانتهى الاستجواب بعد ثلاثة أيام وتقدم حسن ياسين باقتراح لإسقاط عضوية مكرم باشا من مجلس النواب، لأن هذا الرجل الذي كان سكرتيرًا للوفد وصديقًا لمصطفى النحاس وابنًا لسعد زغلول لم يعد جديرًا بشرف النيابة، فجرى تصويت على الفور وفي نفس الجلسة، رغم أن فكري أباظة كان قد طلب إحالة الموضوع للجنة الشئون الداخلية في المجلس، ورفض طلبه، وتم فصل مكرم عبيد من عضوية مجلس النواب.
أغلق باب المناقشة في الاستجواب، وطرد مكرم من المجلس وفقد عضويته، وبعد عدة أسابيع، فإذا بالحاكم العسكرى العام، وهو رئيس الوزراء، مصطفى النحاس باشا، يصدر أمرًا عسكريًا بإعتقال مكرم عبيد باشا، وبالفعل تم اعتقاله بمقتضى قانون الطوارئ ووضع فى السجن.
وعلى الرغم من ذلك ظل الكتاب الأسود هو الوثيقة التي هزت أركان الفساد ومهدت الطريق لحركة التطهير الشاملة التى أطاحت بالأحزاب السياسية ووضعت الأسس وأرست القواعد لبناء عهد جديد في مصر.
توفي مكرم عبيد في 5 يونيو 1961، وتم تأبينه بالكنيسة المرقسية بالأزبكية، وقد شارك أنور السادات نيابة عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في تأبينه، ودفن بالقاهرة.