يشهد قطاع الكاكاو فى البرازيل واحدة من أعقد الأزمات منذ عقود ، خاصة بعد دخول الإدارة الأمريكية بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على صادرات البلاد من مشتقات الكاكاو ، من زبدة ومسحوق ، حيز التنفيذ منذ أغسطس الماضى، فى ظل ارتفاع الأسعار فى الدول المنتجة حيث حدد المزارعون في ساحل العاج، أكبر منتج للكاكاو في العالم، سعر شراء الكيلوجرام من حبوب الكاكاو لموسم 2025-2026 عند 2800 فرنك غرب أفريقى (ما يعادل 4.26 يورو)، وهو أعلى مستوى تم تسجيله حتى الآن، بحسب ما أعلن الرئيس الإيفوارى الحسن واتارا.
هذه الرسوم الأمريكية التي تستهدف أحد أهم منتجات الصناعات الزراعية البرازيلية ، تهدد بخنق ثانى أكبر سوق للصادرات ، الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي تستخوذ على ما يقرب من 18% من المبيعات الخارجية للقطاع ، أي ما يعادل 72.7 مليون دولار فى عام 2024 و 64.8 مليون دولار فى النصف الأول من 2025 وحده.
ضربة مباشرة لقطاع حيوي
بحسب الجمعية الوطنية لصناعات معالجة الكاكاو (AIPC)، فإن الرسوم الأمريكية تجعل الصادرات البرازيلية إلى واشنطن غير مجدية اقتصاديًا، الأمر الذي قد يتسبب في "تأثير دومينو" يقود إلى زيادة ركود الصناعة المحلية، ويضغط على سلسلة الإنتاج بأكملها.
وأوضحت آنا باولا لوسى ، المديرة التنفيذية للجمعية، أوضحت أن البرازيل تفقد تدريجيًا قدرتها التنافسية أمام قرارات "حمائية" غير متوازنة. وقالت: "عندما تُفرض 10% على دولة، و15% على أخرى، و50% على البرازيل، فإننا نُقصى من السوق الأمريكي بشكل كامل".
فجوة في الإنتاج واعتماد على الواردات
يُنتج المزارعون البرازيليون ما بين 190 و200 ألف طن من الكاكاو سنويًا، بينما تحتاج البلاد إلى 300 ألف طن إضافي لتحقيق الاكتفاء الذاتي. هذا العجز يضطر شركات الطحن – مثل كارجيل وباري كاليبو وأوفي – إلى استيراد كميات كبيرة من أفريقيا للحفاظ على طاقتها الإنتاجية البالغة نحو 275 ألف طن.
ويتركز الإنتاج المحلي في ولايات باهيا وبارا وإسبيريتو سانتو وروندونيا، لكن النوعيات المنتَجة ليست دائمًا عالية الجودة أو موجهة لسوق الشوكولاتة الفاخرة، بل أساسًا للمطاحن التي تُحوّل اللوز الخام إلى زبدة ومسحوق يُباعان لشركات عملاقة.
ضغوط على المصانع والمزارعين
تُقدر AIPC أن استمرار التعريفات سيؤدي إلى خسائر تبلغ نحو 36 مليون دولار هذا العام، أي حوالي 180 مليون ريال برازيلي. وستتركز الخسارة الأكبر في زبدة الكاكاو، التي كانت تُوجّه غالبية إنتاجها للسوق الأمريكي.
من الناحية العملية، فإن نسبة الخمول الصناعي في المصانع قد ترتفع إلى 23.8%، وربما تصل إلى 37% في السيناريو الأكثر قسوة. وهذا يعني خفض الاستهلاك من اللوز المحلي، وبالتالي الضغط على المزارعين – معظمهم صغار المنتجين الذين يمثلون نحو 70% من إنتاج البلاد.
أزمة أسعار عالمية تزيد الأزمة عمقا
إلى جانب الرسوم الجمركية، يعاني السوق من تقلبات حادة في أسعار الكاكاو عالميًا. فقد ارتفعت العقود الآجلة من 2300 دولار للطن في 2022 إلى 12,600 دولار في ديسمبر 2024 بسبب أزمات الحصاد في ساحل العاج وغانا، أكبر المنتجين عالميًا. لكن الأسعار تراجعت لاحقًا إلى نحو 7500 دولار للطن في سبتمبر 2025، أي أقل بنحو 30% منذ بداية العام.
هذا التذبذب يُربك المنتجين البرازيليين الذين يشكون من "ازدواجية الأسعار" ، حيث تُباع محاصيلهم أحيانًا بأعلى من السوق العالمي بسبب نقص المعروض، وأحيانًا بأقل منه عند انخفاض الطلب، ما يضعف ثقة المزارعين ويقوّض استثماراتهم.
خيارات صعبة وحلول طويلة المدى
رغم تمديد الحكومة فترة استرداد الضرائب لعام إضافي لتخفيف الضغوط، يرى القطاع أن هذا الإجراء غير كافٍ. ويطالب الصناعيون بإدراج الكاكاو ضمن قائمة الإعفاءات الجمركية الأمريكية، وتوفير خطوط ائتمان خاصة، وتنويع أسواق التصدير نحو أوروبا وآسيا.
على المدى الطويل، يرى الخبراء أن الحل يكمن في رفع الإنتاجية – التي لا تتجاوز حاليًا 350 كجم/هكتار – إلى مستويات تقارب 1000 كجم/هكتار عبر التوسع في الميكنة والزراعة العضوية. كما يدعو البعض إلى اتباع نموذج صناعة القهوة في البرازيل، من توسيع قاعدة الإنتاج، وتنويع المنتجات الثانوية مثل لب الكاكاو والعسل، وزيادة القيمة المضافة محليًا بدلاً من الاعتماد المفرط على أسواق خارجية متقلبة.
مستقبل غامض لسلعة استراتيجية
مع استمرار التوتر التجاري مع الولايات المتحدة، وتذبذب الأسعار العالمية، وانخفاض قدرات الطحن بنسبة 14% في النصف الأول من 2025، يقف قطاع الكاكاو البرازيلي على مفترق طرق. إما أن ينجح في إعادة هيكلة إنتاجه واستراتيجياته التصديرية، أو يواجه خطر انكماش قد يُعيده إلى أزمة مشابهة لتلك التي عاشها في تسعينيات القرن الماضي مع تفشي مرض "المكنسة الساحرة".
في جميع الأحوال، يظل الكاكاو بالنسبة للبرازيل سلعة استراتيجية، ليس فقط كمنتج زراعي، بل كقطاع يوفر آلاف فرص العمل، ويدعم صادرات تُعد محورية في ميزانها التجاري. واليوم، يقف هذا القطاع بين مطرقة الرسوم الأمريكية وسندان هشاشة الإنتاج المحلي، في اختبار صعب لمستقبله.