منذ آلاف السنين لا يزال السؤال الأكبر يطارد علماء الآثار والباحثين، وهو أين ترقد مومياوات الملوك العظام خوفو وخفرع ومنكاورع؟ ثلاثة أهرامات شامخة في هضبة الجيزة، تتحدى الزمن وتبقى شاهدة على عبقرية الحضارة المصرية، لكن داخلها يكمن فراغ محير، فلا أثر لمومياء، ولا نقوش جنائزية تقود إلى سر الدفن، وجدل لم يحسم حتى اليوم، وفرضيات تتأرجح بين السرقة والاختفاء والدفن في مكان آخر، وسط هذه المتاهة، يثير الباحث الأثري المتخصص محمد محيي الدين نقاشًا جديدًا من خلال بحثه "هل كانت الأهرامات مقابر ملكية أم مجرد رموز لعظمة ملوك الأسرة الرابعة".

الباحث الأثري محمد محيى الدين
لغز غياب المومياوات
يقول محمد محيي الدين، إن التاريخ المصري القديم طالما أدهشه، وترك له أسئلة معلقة لا إجابة لها، مثل كيف تعامدت الشمس على وجه رمسيس الثاني؟ كيف آمن المصري بالبعث والخلود؟ وكيف شيد الأهرامات من الأساس؟ لكن أغرب الأسئلة ظل أين جثامين ملوك بناة الأهرامات خوفو وخفرع ومنكاورع؟
فبينما تذهب بعض الآراء إلى أنهم مدفونون في سراديب بجوار الأهرام، يرى آخرون أنهم سُرقواـ غير أن الباحث محمد محيي الدين يستبعد فكرة السرقة قائلاً: هل يعقل أن يكون هؤلاء الملوك العظام بهذه السذاجة؟.
لماذا الأهرامات فارغة؟
الأمر الأكثر غرابة، كما يشير الباحث، أن الأهرامات من الداخل تخلو من أي نقوش جنائزية أو نصوص سحرية تحمي المتوفى في رحلته إلى العالم الآخر، على عكس مقابر المصريين القدماء في سقارة أو وادي الملوك، وهو ما يعزز فرضيته أن الأهرامات ربما لم تكن مقابر فعلية، بل رموزًا ضخمة لعظمة الملوك.
هل دفنوا في الصعيد؟
من خلال تتبع عقائد المصريين القدماء، يوضح محمد محيي الدين أن الدفن غالبًا ما كان يتم في الموطن الأصلي للملك، خصوصًا في الصعيد، ويضرب أمثلة بملوك الأسرات الأولى والثانية مثل "مينا والملك جر وسخم إيب رع وخع سخموي"، الذين دفنوا جميعًا في أبيدوس، مقر عبادة أوزيريس، بل وحتى رمسيس الثاني وتوت عنخ آمون ارتبط دفنهما بالصعيد رغم حكمهما في الشمال.
ويضيف الباحث "الطبيعة الجبلية للصعيد ساعدت على إخفاء المقابر أكثر من أراضي الجيزة المكشوفة، فضلًا عن البعد الديني العميق لمدينة أبيدوس التي مثّلت أقصر طريق للجنة في معتقد المصري القديم".
علاقة الملوك الثلاثة بالصعيد
رغم ولادة خوفو وخفرع ومنكاورع في الجيزة، وأبوهم سنفرو كذلك، إلا أن شواهد أثرية عديدة تؤكد جذورهم الصعيدية، ويشير الباحث إلى وجود نصب تذكاري لخفرع في أبيدوس، باعتباره دليلًا روحيًا وجسديًا قويًا على هذا الارتباط.
ويكمل الباحث: يطرح اختفاء جثث ملوك الأسرة الرابعة وبناة الأهرامات الثلاثة تساؤلات حول حقيقة دفنهم في هذه الأهرامات التي قاموا ببنائها وتردد أنها كانت بغرض أن تكون مقابر فعليه لهم وعلي هذا الأساس يفترض البحث أن الأهرامات كانت مقابر رمزية وليست فعلية وأن الملوك الثلاثة مدفونين في أماكن أخري والأقرب لذلك أن يكون تم دفنهم في صعيد مصر وذلك بناءً على المعطيات التي يطرحها البحث، الذى يتطرق إلي أسباب فلسفية وعقائدية تدعم الافتراض بأن مقابر الملوك الثلاثة في الصعيد و ليست في أهرامات الجيزة.
وحتى اليوم لا يزال السؤال بلا إجابة هل يرقد الملوك الثلاثة في سراديب خفية أسفل أهرامات الجيزة؟ أم أنهم عادوا إلى الجنوب، إلى أرض أوزيريس في أبيدوس، حيث يتجدد البعث والخلود؟ بين الفرضيات والنظريات، يظل الغموض قائمًا، وتبقى الأهرامات شاهدة على لغز لم يحل بعد.