رامى محيى الدين

"اسألوا نوال".. القصة التي كشفت سرّ انتصار أكتوبر

الأحد، 19 أكتوبر 2025 03:16 م


عندما سُئل الرئيس الراحل أنور السادات عن موعد الحرب، أجاب بابتسامة الواثق: "اسألوا نوال".
لم تكن العبارة لغزًا سياسيًا، بل إشارة ذكية إلى رجلٍ يقف في الظلّ، لكنه كان يمسك بخيوط النصر من خلف الستار… اللواء نوال السعيد، رئيس هيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر 1973.

رجل الظلّ الذي هيّأ الأرض للنصر

لم يكن اللواء نوال السعيد من أولئك الذين يتصدرون نشرات الأخبار أو صور الجرائد، لكنه كان الاسم الذي يهمس به الجميع في غرفة العمليات كلما سُئل سؤال واحد:"هل نحن جاهزون للحرب؟".

ولد نوال السعيد في عشرينيات القرن الماضي، وتخرّج في الكلية الحربية عام 1942، ليبدأ رحلة طويلة في خدمة القوات المسلحة المصرية، متنقلاً بين أفرعها المختلفة حتى استقر في هيئة الإمداد والتموين، وهي الذراع التي تمدّ الجيوش بالحياة: الغذاء، الوقود، الدواء، والنقل.

تدرّج في المناصب حتى أصبح رئيسًا لهيئة الإمداد والتموين، في وقت كانت فيه مصر تستعد لمعركة مصيرية بعد هزيمة 1967، وأدرك أن الحرب لا تُكسب فقط في الميدان، بل في المخازن والمستودعات وخطوط الإمداد الطويلة عبر الصحراء.

حين قال السادات: "اسألوا نوال"

تُروى القصة الشهيرة أن الرئيس السادات، حين سأله بعض قادته عن توقيت بدء الحرب، قال مبتسمًا: اسألوا نوال.
لم يكن يقصد مزاحًا، بل كان يقصد أن قرار الحرب مرهون بجاهزية الإمداد والتموين.
فالجندي لا يقاتل بلا طعام، والدبابة لا تتحرك بلا وقود، والمستشفى الميداني لا يعمل بلا دواء.
ولذلك، لم يُعطَ الأمر النهائي بالعبور إلا بعد أن أكد اللواء نوال السعيد أن كل شيء جاهز حتى آخر جالون وقود وآخر وجبة.
هذه الجملة أصبحت رمزًا لمدى أهمية الدور اللوجستي في أي حرب، ودليلًا على الثقة المطلقة التي أولتها القيادة السياسية والعسكرية لكفاءة اللواء نوال وفريقه.

مطبخ النصر: الإمداد والتموين

خلف الستار، كانت هيئة الإمداد والتموين تعمل ليلًا ونهارًا في سرّية تامة.
تمّ تخزين كميات هائلة من الوقود والمؤن في مناطق قريبة من الجبهة دون أن تكتشفها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وتم نقل آلاف الأطنان من المعدات عبر طرق بديلة لتجنّب الرصد الجوي.

كان السعيد يراجع بنفسه جداول الإمداد، ويتابع كل وحدة على الخريطة، ويتأكد من أن كل جندي سيصل إليه طعامه في موعده، وأن كل دبابة ستصلها إمداداتها في الوقت المحدد.

يقول أحد الضباط الذين خدموا معه: "اللواء نوال لم يكن يعرف المستحيل، وكان يرفض كلمة (ما نقدرش). كان يكرر دائمًا: الجندي اللي على الجبهة مش هيحارب على معدة فاضية."

قائد لا يُنسى

بعد النصر العظيم، بقي اسم اللواء نوال السعيد محفورًا في ذاكرة زملائه وجنوده، رغم أن التاريخ لم يُنصفه بالقدر الكافي.
فهو أحد العقول التي صاغت البنية اللوجستية للنصر، دون أن يطلب ظهورًا أو شهرة.

توفي اللواء نوال السعيد عام 2014 بعد مسيرة عسكرية امتدت أكثر من أربعة عقود، لكن كلماته وأفعاله بقيت شاهدة على زمن الرجال الذين لا يعرفون إلا العمل بصمت.

رمزية "اسألوا نوال"

لم تعد الجملة مجرد واقعة طريفة، بل تحوّلت إلى درس في القيادة والإدارة.
فالسادات، حين قالها، كان يُدرك أن الحرب ليست قرارًا سياسيًا فقط، بل مسؤولية شاملة تتوقف على الجاهزية الكاملة للجبهة الداخلية.
أما نوال السعيد، فكان التجسيد العملي لهذا المفهوم — رجل آمن بأن النصر يبدأ من عرق الجندي الذي يُجهّز الميدان قبل أن تطلق أول رصاصة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب