الروائى أحمد القرملاوى فى حواره لـ اليوم السابع: المشهد الأدبى العربى غنى بالتجارب والمحاولات.. الجوائز تساعد على اتساع مساحة المقروئية والنقاش مع الجمهور.. وترددى فى نشر إنتاجى الأدبى كان لضعف الثقة

الخميس، 16 أكتوبر 2025 05:00 م
الروائى أحمد القرملاوى فى حواره لـ اليوم السابع: المشهد الأدبى العربى غنى بالتجارب والمحاولات.. الجوائز تساعد على اتساع مساحة المقروئية والنقاش مع الجمهور.. وترددى فى نشر إنتاجى الأدبى كان لضعف الثقة الروائى أحمد القرملاوى

كتب : أحمد منصور

يكتب الروائى أحمد القرملاوى كما لو كان يعزف نغمة لا تنتمى إلى زمن بعينه، بل تتردد بين ماضٍ يفيض بالحنين ومستقبل تتنازعه الأسئلة، فتجد فى كلماته شغف المعمارى الذى يشيد عالما من الحروف، وحس الموسيقى الذى يلمس الروح.

من رحم الهندسة خرج ليبنى سردا يليق بفوضى الحياة وجمالها، ومن عمق التأمل خرجت رواياته لتلامس حدود الفلسفة والخيال، وفوزه بالعديد من الجوائز الأدبية مثل حصول روايته «نداء أخير للركاب» على جائزة أفضل رواية فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، وجائزة الشيخ زايد للكتاب عن روايته أمطار صيفية، وغيرها من الجوائز لم يكن تتويجا عابرا، بل اعترافا بموهبة تمزج الفكر بالعاطفة، والتقنية بالحدس الإنسانى.

فى هذا الحوار، يتحدث أحمد القرملاوى بصدق نادر عن التحديات الشخصية التى واجهته فى طريق الكتابة، وعن خجله الذى كاد يعوقه.


كيف ترى المشهد الأدبى للشباب فى الوطن العربى اليوم؟ وهل ترى أنه يواجه تحديات معينة؟

المشهد الأدبى العربى غنى بالتجارب والمحاولات، ورش أدبية ومنح تفرغ وجوائز، وجميعها عوامل تعد بنشاط وزخم متزايدين.

لكن ما ينقص هذا المشهد هو التفرد، فقليلا ما نقع على أصوات سردية متفردة تتسم بالأصالة والتميز، والتحديات تنبع من طبيعة العصر والإمكانات التى يتيحها للمواهب الناشئة، إذا يبدو أحيانا أن الإمكانات التى تتيحها التكنولوجيا الحديثة هى نفسها منبع التحديات الأصعب فى التعامل معها، فالذكاء الاصناعى يتيح أداة سحرية هائلة الإمكانات للمواهب الناشئة، إلا أنه يقلل من فرصها فى تحقيق التميز والحصول على براءات الاختراع السردى، فكلما زاد اعتماد الكاتب على الأدوات المتاحة للجميع، كلما سقط فى فخ العادية والتقليد والتكرار.

ما الصعوبات التى واجهتها خلال رحلتك فى الكتابة وكيف تغلبت عليها؟

أكثرها صعوبات شخصية، أفرزتها مخاوفى وتحدياتى الشخصية، فأول صعوبة كانت ترددى فى النشر لضعف ثقتى  فى نتاجى الأدبى، وعدم امتلاكى الجرأة للتعرف على كتاب أصحاب تجربة أو نقاد موثوقين لاستطلاع آرائهم فيما أكتب، وقد جاء الحل على يد الراحل الكبير علاء الديب، إذ اطلع مصادفة على أول مجموعة قصصية نُشِرت لى، وتناولها فى مقال طويل فى جريدة الأهرام فامتلأتُ ثقة فى ضرورة استمرارى فى الكتابة والنشر.

أما الصعوبة الأخرى، فتمثلت فى تحقُّقى على المستويين المهنى والمادى فى مجال الهندسة، ما صعَّب على التحوُّل إلى الكتابة التى لا تضمن للكاتب أدنى هامش من التحقق المادى، ولولا الجوائز التى حصلتُ عليها لكان الاختيار أشد صعوبة.

الصعوبة الثالثة هى خجلى الاجتماعى وعدم ارتياحى لما يتطلَّبه الكاتب من تواصل مع شتى أطراف المجال الأدبى، وهو ما تغلَّبتُ عليه مع الوقت واختمار التجربة.

هل تلعب الخلفية الثقافية أو الاجتماعية دورا فى تشكيل مواضيع أعمالك الأدبية؟

ليس ثمة شك فى أن رؤية الكاتب تتشكّل من تجربته الإنسانية، بكل أبعادها، ثقافية واجتماعية ودراسية وغيرها، وأرى أن أعمالى الأدبية تأثرت بجميع هذه المكونات، ولادتى فى حى مصر الجديدة، نشأتى فى الكويت التى انتقلت إليها فى سن الخامسة، جذورى العائلية المتشعبة، التحولات التى شهِدها جيلى مواليد نهاية السبعينيات، وغيرها من التفاصيل التى شكلت تجربتى وأثرت فى طبيعتى ونتجت عنها أسئلتى وانحيازاتى الفكرية والنفسية.

كيف تتابع تطورات الأدب العربى المعاصر وهل تستلهم من كتاب أو تيارات معينة؟

ممارستى للكتابة تسير وِفق خطة لإنجاز مشاريع وأفكار ما، فلا تتأثر بمطالعاتى أثناء الكتابة لا على مستوى الأفكار ولا الأسلوب، لكن يبقى التأثير الذى يظهر على المدى البعيد، نتيجة المشاعر والأفكار والتساؤلات التى تترسب فى وعيى ككاتب نتيجة مطالعتى لكُتاب ومفكرين آخرين.

هل هناك نصيحة توجهها للكتاب الشباب الذين يسعون لاقتحام عالم الأدب؟

أنصحهم بالمثابرة، وسِعة الاطلاع، والفضول، فالكتابة الجيدة هى نتيجة ثراء فى الخبرات ودأب فى تجويد وتطوير الكتابة، مثلما هى نتيجة للفضول الشخصى لاكتشاف الحياة واستيعاب موضع البشر منها، على الكتاب الشباب أن يطلعوا اطلاعا واسعا ونوعيا على الشكل الفنى والنوع الأدبى الذى يستهويهم، فضلا على المطالعة العامة الضرورية للمثقف فى العموم، وللكاتب على وجه الخصوص حتى يُثرى أفكاره ومعلوماته وتساؤلاته.

غير أننى ألاحظ فى الكثير من الحالات أن الكتاب الشباب يطلبون النصيحة دون أن يعنوا تماما هذا الطلب، بل يتخذون من طلب النصيحة مدخلا للتواصل مع الكاتب الذى يتوسمون فيه مثلا جيدا لهم دون أن يأخذوا نصيحته بجدية واهتمام حقيقى.

هل تفكر فى توسيع أعمالك لتشمل أنواعا أدبية أخرى أو قضايا مختلفة فى المستقبل؟

نعم أفكر فى تجريب الكتابة المسرحية على سبيل المثال، وقصيدة النثر، وكتابة المزيد من المقالات الأدبية، أما القضايا فالقائمة تطول مع كل معترك أخوضه أو سؤال مؤرق تلقيه الحياة فى طريقى.

كيف ترى إقبال الجيل الجديد على الأدب والروايات وكيف تقيم ذائقتهم الأدبية وهل أثرت أو شوهت منصات التواصل الاجتماعى ذلك؟

من سمات اللحظة الراهنة أن الإقبال يتفاوت باستمرار بين ازدياد ونقصان، فالمشتتات كثيرة والخيارات بلا حد، وقديما كان القارئ المتعلق بالروايات يستمر فى شغفه لفترة طويلة، حتى يعبر لمرحلة جديدة فى حياته فيحمل معه شغفه أو يتخلّى عنه، أما اليوم فالتحولات سريعة والخيارات المطروحة أمام القارئ تتنوع كل يوم، حيث تنوعت مصادر المعرفة والترفيه التى تُنافس الكتب لتشمل البودكاست والمحتوى الصوتى والمرئى المتنوع الذى يتدفق باستمرار للفضاء الافتراضى، وستفرز هذه التحولات سلبيات وإيجابيات بطبيعة الحال، وأتوقع أن تتجاوز الفوائد أى ضرر محتمل.

ماذا يعنى لك الفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب فى فرع المؤلف الشاب وكيف أثر ذلك على مسيرتك الأدبية؟

فوزى بجائزة الشيخ زايد للكتاب فى فرع المؤلف الشاب هو التحول الأهم فى مسيرتى الأدبية، حيث نقلنى من كاتب يتمتع بمقروئية محدودة على المستوى المحلى، لكاتب واسع المقروئية على نطاق الوطن العربى.

بمجرد إعلان فوزى بالجائزة، رحتُ أتلقى رسائل قراء من العراق والجزائر والإمارات والكويت وغيرها من البلدان العربية، كما صرتُ أستقبل عروضا لترجمة أعمالى للإيطالية والإسبانية والبرتغالية والأوكرانية، وهذا ما لم يكن ليتحقق لى فى هذه المرحلة المبكرة.

أما على الجانب المعنوى، فقد ملأنى الحصول على الجائزة والحضور بين كوكبة من المبدعين والقامات الرفيعة فى الأدب والمجتمع، بثقة كبيرة فى موهبتى وفى اختيارى طريق

الكتابة على حساب عملى بالهندسة المعمارية وهواياتى الأخرى.. بعد فوز  «أمطار صيفية» وغيرها بشكل عام ما مصير الرواية كرواية فائزة وهل ترى أن أى جائزة تمنح روحا خالدة للعمل الأدبى أم أنه تكريم وتقدير مؤقت؟

الزمن وحده مَن يستطيع الإجابة على هذا السؤال، لكن من واقع تجربتى فلست أراه تكريما مؤقتا فحسب، فقد تمت ترجمة روايتى «أمطار صيفية» لأربع لغات، ما يعنى إتاحتها لقراء لم يكونوا فى حسبانى قبل الجائزة، وسيظل يُكتَب اسمى مع عنوان الرواية فى قائمة الفائزين بالجائزة، خاصة أنها الرواية الوحيدة الفائزة فى فرع المؤلف الشاب فى تاريخ الجائزة إلى اليوم، حيث يضم هذا الفرع جميع المؤلفات فى مختلف المجالات للكُتَّاب دون سن الأربعين، فلا يختص بالروائيين فحسب، ما يضع الرواية فى مكانة مميزة دون أن تتراجع أهميتها مع مرور السنوات.

ما هى أبرز الأفكار التى حاولت إيصالها من خلال رواية «أمطار صيفية»؟

الرواية تطرح تساؤلاتى وهمومى الفكرية، من خلال عالم خيالى وجدتُ متعة هائلة فى اختلاقه وتصويره على الورق، ولكونى أتحرك فى دوائر تتقاطع مع الكثير من قرائى فلا بد أن تلمس هذه التساؤلات والهموم الكثيرين منهم.

طرحَتْ «أمطار صيفية» هموما سابقة لزمنها بدرجة ما، فالصراع ينبع من محاولة السيطرة على المدرسة الموسيقية التراثية، لصالح جهة أجنبية توظف التكنولوجيا الحديثة فى صناعة الموسيقى، والتى باستطاعتها تخليق أصوات بشرية تتمتَّع بقدرات تفوق البشر العاديين، وقد طرحَت الرواية هذه الأفكار والأسئلة المربِكة التى تنبثق عنها قبل عشر سنوات، أى قبل انتشار الذكاء الاصطناعى ونتاجاته المذهلة فى هذا المضمار، وعليه فقد استشرفَت المستقبل والأسئلة التى سيُنتجها دون التطرق لمسألة الرسائل والأفكار المباشرة .

ما تأثير الجوائز والتكريمات على مشاريعك الأدبية أو رؤيتك المستقبلية ككاتب؟

للجوائز والتكريمات أثر إيجابى عام على مشروعى الأدبى، نتيجة الثقة التى أشرت إليها من قبل، واتساع مساحة المقروئية وما يترتب عليه من تعاط وتفاعل مع مساحة أوسع من القراء والرؤى والآراء، بالإضافة إلى التحقق الأدبى الذى يُغرى عددا أكبر من الدارسين والنقاد والإعلاميين بالاهتمام بتجربة الكاتب، أما اختياراتى الفنية كروائى وقاص فلم تتأثر بالجوائز التى فزتُ بها أو التفاعل الذى نتج عنها مع القراء والنقاد، فلا زلتُ متمسكا بموضعى كهاوٍ للكتابة يروم اللعب والتجريب والاستمتاع.

كيف تقيم المشهد الأدبى المصرى والعربى اليوم وهل ترى أن هناك مساحة كافية للأصوات الجديدة؟

المشهد الأدبى المصرى والعربى يتسم بالزخم والتنوع الشديدين، ما يتوازى مع مشهد إنتاج المحتوى عبر الفضاء الإلكترونى، الأمر الذى يعكس حجم الطاقة الإبداعية الكامنة فى الشباب المصرى والعربى المعاصر،  والمساحة المتاحة تتسع كل يوم لأصوات جديدة، بالوضع فى الاعتبار المساحة الافتراضية وإمكانية النشر الذاتى والمدونات وغيرها.

هل تفكر فى التوجه نحو الكتابة للدراما أو السينما خاصة أن أعمالك غنية بصريا ومليئة بالشخصيات؟

أرغب فى خوض تجربة الكتابة بجميع أشكالها، ومن بينها الكتابة للدراما والسينما بالتأكيد، لكننى لا أرغب فى التحول عن الكتابة الأدبية طلبا لمشروع طويل الأجل فى الكتابة الدرامية، فالكتابة الأدبية شغف أوقِن بأنه سيستمر معى طالما استمرت علاقتى بالكتابة.

ما الذى تعمل عليه حاليا؟ وهل يمكن أن ننتظر عملا جديدا قريبا؟

قطعتُ شوطا جيدا فى كتابة رواية جديدة، ثم توقفت لسبب فنى يتعلّق ببنية الرواية والشخصيات، وقررت أن أُعيد الكتابة من البداية، لذا لا يمكننى أن أقدر الوقت الذى قد تتطلبه إعادة الكتابة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب


الموضوعات المتعلقة