ما حكم السير المخالف فى الطرق العامة؟.. الإفتاء توضح

الأربعاء، 15 أكتوبر 2025 12:21 ص
ما حكم السير المخالف فى الطرق العامة؟.. الإفتاء توضح السير المخالف - أرشيفية

كتبت بتول عصام

ورد سؤال لـ دار الإفتاء المصرية، جاء مضمونة: "ما حكم السير المخالف فى الطرق العامة؟".

وجاء رد دار الإفتاء كالتالي:

الشروط العامة للمرور فى الطريق العام

حرصت الشريعة الغراء على ضبط أحوال سير الناس فى الطرق العامة؛ لضمان سلامة السير فيها، ولضمان خلوها من الموانع التى تُسبِّب الوقوع فى الحوادث التى قد تؤدى إلى تلف الأموال والأنفس، والقاعدة العامة الضابطة لذلك: ما رواه ابن عباس رضى الله عنهما أنَّ النبى صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه الإمام أحمد فى "مسنده".

وقد استنبط الفقهاء من ذلك: أنَّ المرور فى الطريق العام يباح بشرط عدم الإضرار به بما يؤثر على ارتفاق الناس بالمرور فيه.

قال العلامة شيخى زاده فى "مجمع الأنهر" (2/ 659، ط. دار إحياء التراث العربي): [المرور فى طريق المسلمين مباح مقيد بشرط السلامة بمنزلة المشي؛ لأن الحق فى الطريق مشترك بين الناس، فهو يتصرف فى حقه من وجه، وفى حق غيره من وجه] اهـ.

وقال الإمام ابن حجر الهيتمى فى "تحفة المحتاج" (9/ 205، ط. المكتبة التجارية): [الارتفاق بالطريق مشروط بسلامة العاقبة] اهـ.

وهو ما جرى عليه قانون المرور المصرى رقم 66 لسنة 1973م، حيث نصت المادة الأولى منه على: [يكون استعمال الطريق العام فى المرور على الوجه الذى لا يُعَرِّض الأرواح أو الأموال للخطر أو يؤدى إلى الإخلال بأمن الطريق أو يُعَطِّل أو يُعَوِّق استعمال الغير له] اهـ.

والسلامة إنَّما تشترط؛ لأنَّ الطرق العامة حقٌّ مشتركٌ بين جميع الناس، فالذى يسير فى الطريق إنَّما يتصرَّف فى حقه من وجه وحق غيره من وجه آخر، أما أنه يتصرف فى حقه؛ فلأن الإنسان لا بد له من طريق يمشى فيه لترتيب مهماته، فالحجر عن ذلك حرج، والحرج مدفوع، وأمَّا أنه يتصرف فى حقِّ غيره؛ فلأن غيره فيه كهو فى الاحتياج، فبالنظر إلى حقِّه يستدعى الإباحة مطلقًا، وبالنظر إلى حقِّ غيره يستدعى الحجر مطلقًا، فكانت الإباحة مقيدة بشرط السلامة عملًا بالوجهين. ينظر: "العناية شرح الهداية" للبابرتى (10/ 326، ط. دار الفكر).

تجريم السير المخالف فى الطرق العامة وخطورته على الفرد والمجتمع
فى سبيل ضمان سلامة مرتادى الطرق العامة -فى عصر تطور المركبات- وضعتِ الدول والحكومات قوانين وقواعد تنظم حركة المرور فيها بما يحفظ على الناس أنفسهم وأموالهم، ومن تلك القواعد المرورية التى أقرتها أغلب الدول: أن جعلت لكلِّ اتجاه من اتجاهات السير طريقًا مخصصًا له، كسبيل من سبل تقليل الأخطار التى ينتج عنها الحوادث التى تؤدى إلى فقدان الأنفس والأموال، بل نصت على تجريم ومعاقبة من يخالف ذلك، ومن ذلك ما قررته المادة رقم 76 من قانون المرور المصرى من تجريم السير عكس الاتجاه فى الطريق العام.

وهذه القوانين إنَّما تعد من قبيل المصالح المرسلة، والتى تندرج تحت نصوص الشرع العامة الآمرة بحفظ الأنفس والأموال، فكانت طاعة ولى الأمر فيها واجبة باتفاق الفقهاء.

قال العلامة ابن عابدين الحنفى فى "رد المحتار على الدر المختار" (5/ 422، ط. دار الفكر): [(قوله: أَمْرُ السُّلطان إنَّما يَنْفُذُ)؛ أي: يُتَّبَعُ ولا تجوز مخالفته] اهـ.

وقال العلامة العدوى المالكى فى "حاشيته على شرح الخرشى لمختصر خليل" (2/ 112، ط. دار الفكر): [قال سيدى أحمد زَرُّوقٌ: تجب طاعة الإمام فى كلِّ ما يَأْمُر به] اهـ.

وقال الإمام النووى الشافعى فى "روضة الطالبين" (10/ 47، ط. المكتب الإسلامي): [تجبُ طاعةُ الإمام فى أمْرِهِ ونَهْيِهِ] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلى فى "المغني" (8/ 528، ط. مكتبة القاهرة): [لا يجوز أن يَتْرُكَ بعض المسلمين طاعةَ الإمام] اهـ.

بل نقل الإمام النووى الإجماع على ذلك، حيث قال فى "المنهاج شرح صحيح مسلم" (12/ 222، ط. دار إحياء التراث العربي): [أجمع العلماء على وجوبها أي: طاعة الأمراء- فى غير معصية، وعلى تحريمها فى المعصية، نقل الإجماع على هذا القاضى عياض وآخرون] اهـ.

ومن جهة أخرى فإنَّ السير المخالف يتسبب فى إيذاءِ الناس فى طرقهم، وهو أمرٌ حذَّرت منه الشريعة الغراء، فعن حذيفة بن أسِيدٍ رضى الله عنه: أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من آذَى المسلمين فى طُرُقِهِمْ وَجَبت عليه لعْنُتهم» أخرجه الطبرانى فى "المعجم الكبير".

قال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعانى فى "التنوير شرح الجامع الصغير" (10/ 8، ط. مكتبة دار السلام): [(من آذَى المسلمين فى طُرقِهم)، بأى أمرٍ من التَأذِّى وغيره] اهـ.

كما أنَّه من صفات المؤمن أنه لا يؤذى أحدًا متى سار فى الطرقات، قال الله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: 63].

قال الإمام أبو منصور الماتريدى فى "تأويلات أهل السنة" (8/ 40، ط. دار الكتب العلمية): [وأصله: أنهم يمشون هونًا من غير أنْ يتأذَّى بهم أحد، أو يَلْحَقَ بأحدٍ منهم ضررٌ] اهـ.

وعلى ذلك: فإن توفَّر شرط السلامة -بما تقرِّه الجهات المختصة فى كل دولة على حدة- جاز السير والمشى فى الطريق لجميع المنتفعين به، وإن لم تتوفَّر شروط السلامة لم يجز له السير فيه، ويتحمل السائر مسؤولية ما ينتج عن تصرفه من عواقب، ويجب عليه ضمان ما تولَّد عن فعله إذا كان ممَّا يمكن الاحتراز عنه وكان واقعًا تحت المساءلة القانونية.

قال الإمام السرخسى فى "المبسوط" (27/ 3، ط. دار المعرفة): [السوق والقود فى الطريق مباح مقيد بشرط السلامة بمنزلة الركوب، فكما أن الراكب يُجعل ضامنًا بما تلف بسبب يمكن التحرزُ عنه فكذلك السائق والقائد] اهـ.

وقال الإمام ابن جزى فى "القوانين الفقهية" (ص: 553، ط. دار ابن حزم): [كلُّ مَن فَعَل ما يجوز له فعله فتولد منه تلف، لم يضمن، فإن قصد أن يفعل الجائز فأخطأ ففعل غيره أو جاوز فيه الحد أو قصر فيه عن الحد فتولد منه تلف، يضمنه] اهـ.

وقال الإمام النووى الشافعى فى "المجموع" (19/ 25، ط. دار الفكر): [له أن يرتفق بالمباح بشرط السلامة، فإذا أدى إلى التلف كان عليه الضمان] اهـ.

الخلاصة
بناءً على ذلك وفى واقعة السؤال: فلا يجوز السير المخالف فى الطرق العامة؛ لما يترتب عليه من تلف الأنفس والأموال، ويتحمل مَن سار مخالفًا مسؤولية ما ينتج عن تصرفه من عواقب، ويجب عليه ضمان ما تولَّد عن فعله بما تقره الجهات القضائية المختصة.

وتهيب دار الإفتاء المصرية بجموع المواطنين الالتزام بما تقره الجهات المختصة فى هذا الصدد من قوانين بما يضمن السلامة للجميع.

والله سبحانه وتعالى أعلم.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب