حينما يصاب الإنسان منا بنمط من أنماط الفهم الخطأ، التي تكمن في معلومة غير صحيحة، أو بيان مُزيّف، أو دلالة حديث مفبرك، أو فكرة مشوبة، أو غير ذلك من الصور، التي تشوه البنية المعرفية لديه؛ فإن سرعة تصويب هذا الخطأ، أو الفهم المغاير، أو البديل، أمرٌ مهم للغاية؛ فتركه يساعد في تكريس، وترسيخ، هذا المشوب في الأذهان؛ فيصبح الوعي حينئذٍ معطوبًا؛ لأن بنيته المعرفية قد صارت ملوثة، وهي التي يتغذى عليها وجدانياته، التي تبدو واضحة في قناعاته الشخصية، وتترجمها مباشرة سلوكياته، وأداءاته بمختلف تنوعاتها.
نعيش في حُقْبة من الزمن، كثُر فيها الخطاب المُضللّ، وتسارع خلالها ضخّ المعلومات المغلوطة، وزادت فيه مقادير الكذب، والتزييف، وقلب حقائق تراها العين، وتدركها العقول النابهة؛ لذا صارت هنالك ضرورة لحماية العقول، من عدْوى انتشرت في شتّى أرجاء الفضاء المفتوح، الذي يعجُّ بفيضان من الاختلاقات، التي تستهدف تأصيل قناعات لدى الإنسان، تقوم على قواعد من سحائب الضلال، والتضليل؛ لينساق وراء ما يبغيه صاحب المأرب الخبيث؛ ومن ثم يقع في براثن الصراع الفكري، الذي لا يجعله مستقرًا، ولا مطمئنًا، ولا واثقًا، في كل من حوله.
فيروسات الفكر، تشكل خطرًا داهمًا على شباب الأمة؛ لذا باتت سرعة تقديم العلاج مُهمة للغاية؛ لنضمن ألا تتراكم الآثار، حينها يضْحى العقل مريضًا، يصعب تعافيه، وتصويب ما أصابه من رواسب، تقبع في الذاكرة، وتتآلف مع الوجدان، ويترجمها سلوك غير قويم، وهنا يتوجب علينا أن نخلق مناخًا، يعزّز الثقة، بين من يقدم العلاج، ومن يتلقاه؛ كي لا نصدم بمقاومة، رسّختها فكرة متجذرة مشوبة، إذ لم يتم التعاطي معها مباشرة؛ فشوّهت حقائق، لا يختلف عليها أولو الألباب، بل، ذهبت بصاحبها إلى أبعد من ذلك؛ حيث أدت إلى إغراقه في شمولية أفكار هدّامة تضير به، وبمن حوله.
نشر المعلومات الصحيحة، التي تقوم على شواهد، وأدلة، وبراهين، ويتقبلها منطق العقل السليم، وتحتضنها الأذهان، ولا تتصادم مع سياج الوجدان؛ فإن هذا يحمي المجتمع قاطبة، من سلبيات تستهدفها أطر الأفكار المشوّهة، وتدفع بها المعلومات الممزوجة بالأكاذيب، والافتراءات؛ ومن ثم يتوجب أن نحصّن فلذات أكبادنا من سيل جارف، ينهمر عبر وسائل لها سرعة في الانتشار، والتأثير؛ إذ تخاطب شتّى مداخل الفكر صوتًا، وصورة، وتفاعلًا، بل، قد تفتح حوارًا شيّقًا في إعداده، يمنح حرية الرأي المناهض، ويلاعب العقول، ويضير بالأفهام، ويسيطر على الكيان؛ فيستقطب ممن يفتقدون سياج المنْعة الفكرية، ويقترب ضرره إلى العامة؛ فيصيب الوعي الجمعي.
إن من يعمد إلى تشويه صورة الأوطان؛ بُغية تحقيق مآرب لجماعة، أو عدو، يتربص بالبلاد، والعباد، لا يتورّع عن توظيف سلاح الكذب، واستخدام مضخّاته، التي يموّلها أصحاب الغايات، وهنا نوقن أن حرب الشائعات المغرضة باتت قائمة إلى أن يحقق مريض القلب، والعقل حُلْمه الزائف؛ ومن ثم نؤكد على يقظة مؤسساتنا الوطنية، التي يتوجب ألا تتراخى في سرعة تقديم العلاج؛ ليتم تصويب الفهم المغلوط لدى كافة أبناء شعبنا العظيم؛ كي نمتلك بصورة جامعة الوعي الرشيد، الذي يدفعنا للترابط، والتماسك، والاصطفاف من أجل الزّود عن مقدراتنا، وحماية تراب وطننا، ودحر كل من تسوّل له نفسه الاعتداء على مقدساتنا، وأمننا القومي.
في الحقيقة نعوّل على سرعة الاستجابة، التي تستهدف بشكل مقصود رصد الشائعات، التي تطلقها منابر الخزي، أو من أفراد، لا يتمتّعون بالمسئولية، ولا الرّشاد؛ فيتم التعاطي الفوري معها بتقديم ما يثبت كذبها، والافتراءات، التي تتناولها؛ لذا يعد تقديم الحقائق الموثوقة، والموثّقة من الإجراءات السريعة، التي لا نغضُّ الطرف عنها؛ فهي بمثابة رد، يشكل إيجابية لدى المتلقي، كما أن الخطاب، والحوار المفتوح يذيل كثيرا من اللبس حول القضايا، والأحداث الجارية، محور الاهتمام المجتمعي؛ ومن ثم يرتفع صوت الحق عن الباطل من خلال شفافية محمودة النتائج؛ فيصبح تصحيح المشوب أمرًا متاحًا، يغلق باب التخمين، ويقوّض جهود مرّوجي الشائعات الخبيثة على الدوام.
مسئولية سرعة تصويب الفهم المغلوط، تقع على الجميع، بداية من مؤسسات بناء الإنسان، التي تشكل وعي الأذهان، مرورًا بالمراكز الإعلامية لمؤسسات الدولة، ناهيك عن مراجعة الذات، التي تستوجب على الإنسان منا أن يتثبت، ولا ينساق، ولا يتقبل ما يروّج عبر مصادر مشبوهة، باتت معلنة حربًا ضروسًا على الوطن بأسره؛ فالغاية الخبيثة تكمن في تقويض طاقة أمتنا، عبر تشويه وعي جمعيّ؛ لكن مصر، وشعبها، وقيادتها، لا يعرفون ماهية الانكسار.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.