لازلو كراسناهوركاى الفائز بجائزة نوبل 2025.. لماذا يفضل الجمل الطويلة؟

السبت، 11 أكتوبر 2025 01:00 م
لازلو كراسناهوركاى الفائز بجائزة نوبل 2025.. لماذا يفضل الجمل الطويلة؟ لازلو كراسناهوركاى

كتب عبد الرحمن حبيب

يحظى الكاتب المجري لازلو كراسناهوركاي بسمعة مختلفة في أوروبا والعالم الغربي فهو الصعب، الغريب، المهووس، صاحب الرؤية، صاحب العديد من الأعمال الروائية، منها ما هو متوفر بالإنجليزية والعربية، مثل "كآبة المقاومة" التي نُشرت باللغة المجرية عام 1989، وباللغة الإنجليزية عام 1998 و"الحرب والحرب" التي نُشرت عام 1999، وتُرجمت عام 2006 وكلاهما من منشورات دار نيو دايركشنز.

من ناحية الأسلوب يركز الكاتب المجري لازلو كراسناهوركاي بوجه عام على الجملة باعتبارها سلاحه الأبرز والأهم في المعركة الروائية، مستخدمًا إياها لتدوين وإعادة إنتاج أدقّ المعاني والترددات والتأكيدات وهو ينضم بذلك إلى جمعية محبي الجمل الطويلة جدًا والتي تعد جزءًا لا يتجزأ من تطور الرواية التجريبية منذ خمسينيات القرن الماضي فقد استخدمها كلود سيمون، وتوماس برنهارد، وخوسيه ساراماجو، وسيبالد، وروبرتو بولانيو، وديفيد فوستر والاس، وجيمس كيلمان، ولازلو كراسناهوركاي، كل هؤلاء استخدموا الجملة الطويلة لاكتشاف الإمكانات المختلفة للغة والمعنى ليكون التعبير بأكثر من طريقة أو بأغلب الطرق المتاحة.

ما يهتم به لازلو كراسناهوركاي هو تكريس اختراعه الأشهر وجملته الباقية حول أن الرواية فرصة لجعل "الواقع مُختبرا حتى الجنون"، فجمله المُرهقة والدؤوبة تكفي لملء فصل كامل بل إنها أحيانا تبدو وكأنها لا نهاية لها، وتُعرض دون فواصل بين الفقرات وهي باكتشافها الإمكانات الوجودية لعناصر الرواية تقدم الواقع الذى تحول من كونه مختبرا حتى الجنون إلى كونه منكشفا حد الجنون وصولا إلى المتعة المترتبة على الكشف والفهم.

يصف الشاعر جورج سزيرتس، مترجم كراسناهوركاي أسلوبه بأنه "تدفقٌ بطيءٌ من الحمم السردية، نهرٌ أسودٌ شاسعٌ من الكتابة" وغالبًا ما يصعب تحديد ما تفكر فيه شخصيات كراسناهوركاي تحديدًا، لأن عالمه الخيالي يتأرجح على حافة كشفٍ لا يتحقق أبدًا.

في رواية "الحرب والحرب"، يُصاب جيورجي كورين، أمين أرشيف ومؤرخ محلي من بلدة مجرية ريفية، بالجنون وطوال الرواية، يقف "على أعتاب إدراكٍ حاسم"، لكننا لا نكتشف أبدًا ماهية هذا الإدراك. إليكم اقتباسًا طويلًا بالضرورة من بداية الكتاب، حيث يُقدم كراسناهوركاي تشوهات كورين العقلية المستمرة:

لأنه لم يشعر برغبة في العودة إلى شقة فارغة في عيد ميلاده، وكان الأمر مفاجئًا للغاية، إذ أدرك أنه، يا إلهي، لا يفهم شيئًا على الإطلاق عن أي شيء، يا إلهي، لا يفهم شيئًا على الإطلاق عن العالم، وهو إدراكٌ مُرعبٌ للغاية، كما قال، خاصةً بالطريقة التي وصل بها إليه بكل تفاهته وفظاظته، وبمستوى سخيفٍ مُقزز، لكن هذه هي النقطة، كما قال، الطريقة التي أدرك بها، في سن الرابعة والأربعين، مدى غبائه التام الذي بدا عليه لنفسه، ومدى الفراغ، ومدى غبائه التام في فهمه للعالم خلال السنوات الأربع والأربعين الماضية، لأنه، كما أدرك عند النهر، لم يسيء فهمه فحسب، بل لم يفهم شيئًا عن أي شيء، والأسوأ من ذلك أنه ظن لمدة أربعة وأربعين عامًا أنه قد فهمه، بينما في الواقع فشل في ذلك؛ وكان هذا في الواقع أسوأ شيء في تلك الليلة من عيد ميلاده عندما جلس وحيدًا بجانب النهر، والأسوأ لأن حقيقة أنه أدرك الآن أنه لم يفهمه لم تعني أنه قد فهمه الآن، لأن إدراكه لافتقاره إلى المعرفة لم يكن في حد ذاته شكلًا جديدًا من المعرفة يمكن استبداله بمعرفة قديمة، بل كان شكلًا يقدم نفسه كلغز مرعب في اللحظة التي فكر فيها في العالم، كما فعل بشراسة في ذلك المساء، كاد يعذب نفسه في محاولة فهمه ويفشل، لأن اللغز بدا أكثر تعقيدًا وبدأ يشعر بذلك كان هذا اللغز العالمي الذي كان يائسًا للغاية لفهمه، لدرجة أنه كان يعذب نفسه محاولًا فهمه، كان في الواقع لغزًا لنفسه وللعالم في آن واحد، وكانا في الواقع نفس الشيء، وهو الاستنتاج الذي توصل إليه حتى الآن، ولم يستسلم له بعد، عندما لاحظ بعد يومين أن هناك شيئًا ما خطأ في رأسه.

في الفقرة السابقة يلعب لازلو كراسناهوركاي لعبة روائيي وسط أوروبا بجعل "الواقع مختبرا إلى حد الجنون" فهو يأتي بالواقع ويختبره حد الجنون باختبار كافة إمكاناته وعناصره الوجودية وباستخدام الجمل الطويلة يصف ما لا يمكن وصفه ويصل إلى ما لا يمكن الوصول إليه إلا بطريقته تلك وبأسلوبه هذا.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب