مع أولى نسمات أكتوبر، لا تهلّ علينا فقط بدايات الخريف، بل تتسلل إلى القلب رائحة النصر، رائحة وطن انتفض من بين رماد الانكسار ليكتب بدماء أبنائه واحدة من أعظم ملاحم العزة في التاريخ الحديث.
السادس من أكتوبر ليس مجرد تاريخ محفور على جدار الذاكرة، بل هو حالة.. روح.. لحظة إجماع وطني تجاوزت الخوف والخذلان، وكسرت المستحيل.
روح أكتوبر كانت أعظم ما أنتجه هذا الوطن في سبعينياته، لم تكن فقط على الجبهة، بل تسربت إلى الشوارع والمصانع والحقول والمكاتب، كانت نبضًا واحدًا في صدر كل مصري، يجمعه هدف واضح، وإيمان راسخ بأن النصر ممكن، وأن الغد يُصنع بالإرادة والعمل لا بالأمنيات.
اليوم، ونحن نعبر زمنًا تزداد فيه التحديات وتتزاحم الأسئلة، ما أحوجنا إلى تلك الروح، أن نستعيد أكتوبر في وجداننا لا باعتباره ذكرى عابرة، بل بوصلة تهدينا إلى الطريق، أن نعيد بعثها في كل لحظة ضعف، وكل لحظة تردد، وكل وقفة على حافة الأمل.
نحتاج إلى روح أكتوبر في مواقع العمل، في شوارع المدن، في قلوب الشباب، في فكر المبدعين، وفي ضمير المسؤول، نحتاج إليها كي نعبر من الإحباط إلى التخطيط، ومن الحيرة إلى الإنجاز، ومن الحسرة إلى حلم يُصنع على أرض صلبة.
العبور هذه المرة ليس بجنود فقط، بل بأفكار جديدة، وسواعد تعمل، وعقول تخطط، وقلوب تؤمن بأن الوطن لا يُبنى إلا بالإصرار.
لا يزال الحلم قائمًا، ولا تزال الأماني ممكنة، فقط إن آمنا أن في داخل كلٍّ منا جنديًا من أكتوبر، يعرف طريق العبور ويصرّ على الوصول.