بيشوى رمزى

ترامب و"الاستعمار الناعم".. وصيغة "السيادة مقابل المال"

الخميس، 09 يناير 2025 01:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عندما تولى دونالد ترامب فترته الرئاسية الأولي، في 2017، تحت شعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا"، اعتمد سياسة تقوم في الأساس على حماية المصالح الأمريكية، عبر مسارين رئيسيين، أولهما في الداخل، عبر إصلاحات تتعلق بالاقتصاد، والتضخم والضرائب، وهي القضايا التي كانت سببا رئيسيا في امتعاض الشارع تجاه سياسات سلفه باراك أوباما، بينما قام المسار الآخر، على إصلاح السياسة الخارجية لواشنطن، عبر التركيز على حماية مصالحها المباشرة، وذلك بعيدا عن مصالح حلفائها، إلى حد الانقلاب عليهم تارة، أو التحرك بأحادية في القضايا الدولية، تارة أخرى، وهو ما يبدو في العديد من الملفات، بعيدا عن التحركات الجماعية التي تبنتها الإدارات السابقة، والتي وإن كانت تعمل تحت المظلة الأمريكية، إلا أنها ربما، بحسب رؤية الرئيس السابق والقادم، نالت من مكانتها.

فلو نظرنا إلى ملف كوريا الشمالية، نجد أن واشنطن كانت صاحبة مبادرة التقارب، بينما اضطر حلفائها في آسيا (كوريا الجنوبية واليابان) إلى اتباع نهجها، بينما كان الانقلاب على إيران، والتي كانت قد وقعت اتفاقا مع دول (5+1) في مايو 2015، أحاديا، بعيدا عن مباركة الحلفاء في الغرب الأوروبي، والذين وقعوا على الاتفاق، وهو بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ونفس النهج تجلى في التقارب مع روسيا والتباعد مع الصين، والذي وصل إلى حد الحرب التجارية الشعواء.


التجاهل الأمريكي لمصالح الحلفاء في دول المعسكر الغربي، لم يقتصر على البعد غير المباشر، على النحو سالف الذكر، وإنما امتد إلى العلاقة المباشرة بين الطرفين، وهو ما بدا في تجريدهم من مزايا تجارية واقتصادية، ناهيك عن التضييق عليهم على المستوى الأمني، في ظل إجبارهم على دفع اشتراكاتهم في حلف الناتو، وحرمانهم من بؤر نفوذهم، وهو ما يبدو على سبيل المثال لا الحصر، في انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس المناخية، والتي طالما نظرت إليها فرنسا باعتبارها أحد أهم الاتفاقات العالمية التي ترتبط باسمها، خاصة وأنها ترتبط بأحد القضايا الدولية البارزة على المستوى العالمي، في ضوء ما تمثله قضية المناخ من أولوية قصوى، جراء التهديدات الناجمة عنها.


بالنظر إلى السطور السابقة، يبدو أن ولاية ترامب الأولى، وإن بدت مرتبطة في الأساس بالداخل الأمريكي ومصالحه، خاصة وأن القضايا سالفة الذكر في غالبيتها الساحقة تحمل في طياتها علاقة مباشرة بالاقتصاد، والذي يرتبط بدوره بحياة المواطن الأمريكي، إلا أنها لم تعتمد في واقع الأمر سياسة "الانكفاء على الذات"، حيث أنها صاغت رؤية جديدة لنظرية النفوذ التي طالما تبنتها واشنطن، حيث لم تعتمد تلك الحالة الجماعية، التي سبق وأن تبنتها في العديد من القضايا الدولية، لتتحرك بأحادية في مختلف دوائرها الدولية، سواء فيما يتعلق بالخصوم أو الحلفاء.


إلا أن نظرية النفوذ، في رؤية ترامب، ربما لم تكتمل صياغتها، على خلفية هزيمته أمام الرئيس المنتهية ولاية جو بايدن، في انتخابات 2020، وهو ما يثير العديد من التكهنات، حول ماهية المرحلة الجديدة، التي سوف يستكمل بها الرئيس المنتخب ما بدأه في ولايته الأولى، في إطار تعزيز النفوذ الأمريكي، والذي يراه الرجل متراجعا بسبب أداء الإدارة الديمقراطية الحالية، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الحلفاء، ودول المحيط الجغرافي، ناهيك عن رؤاه للمناطق الأخرى البعيدة جغرافيا، وعلى رأسهم منطقة الشرق الأوسط.


وفي الواقع، تبدو تصريحات الرئيس المنتخب، والذي تداخل في قضايا السياسة قبل تنصيبه، إلى الحد الذي طغى فيه على الإدارة القائمة بالفعل، مؤشرا مهما للكيفية التي ستتبناها الإدارة الأمريكية الجديدة، في إعادة صياغة نفوذ واشنطن على المستوى العالمي، خاصة فيما يتعلق بما أثاره حول ضم كندا لتكون الولاية الـ51 بأمريكا، ثم الحديث عن بنما، والتحول نحو أوروبا بالحديث عن جزيرة جرينلاند الدنماركية، وهو ما يعني أن المقابل الذي ستطلبه واشنطن في ظل المرحلة المقبلة، سوف يتجاوز الحصول على الأموال مقابل ما يمكنها تقديمه من مزايا أو حماية، إلى حد التنازل عن السيادة.


الحديث عن سياسات "الضم" الذي يشير إليها ترامب في تصريحاته، لا تقتصر في خطورتها على مجرد العلاقة بين واشنطن والحلفاء في الغرب، وإنما تصل إلى حد إعادة حقبة الاستعمار مجددا، ولكن بصورة ناعمة، على أساس صيغة يمكننا تسميتها بـ"السيادة مقابل الحماية"، وهو الأمر الذي ينطبق على الحالة الكندية، والتي أغدق فيها الرئيس المنتخب بالوعود حال قبول عرضه، في حين يحاول الرجل استدعاء قيمته كرجل أعمال في حالة جزيرة جرينلاند، عندما عرض شرائها، بينما قد يتفاقم الأمر إلى صورة أكثر خشونة فيما يتعلق بقناة بنما، على خلفية صراع النفوذ مع الصين، وهو الأمر الذي قد يضفي الشرعية على أفعال مماثلة قد تتخذها قوى أخرى، في مختلف مناطق العالم.


وهنا يمكننا القول بأن سياسات "الضم" التي يسعى لها ترامب، تمثل استكمالا لرؤاه في الولاية الأولى، والتي شهدت تحجيما صريحا للحلفاء، وهو ما بدا في أحادية التحركات الأمريكية من جانب، وحتى محاولات تفكيك الاتحاد الأوروبي من جانب آخر، مع التقارب مع روسيا، والتي تمثل الخصم المباشر للمعسكر الغربي، من جانب ثالث، في حين سيسعى في الحقبة الثانية إلى تجريدهم من سيادتهم، أو جزء منها مقابل ما يقدمه لهم من مزايا أو حماية، في ضوء استشعاره بحاجتهم إليه، وهو ما ساهم في ارتفاع سقف طموحه ليتجاوز مجرد الحصول على المال منهم.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة