الحسد ليس مجرد شعور عابر، بل هو نزيف داخلي، يجرح صاحبَه دون أن يشعر، هو ذلك الهمس الخفي الذي يراود البعض في اللحظات الصامتة، فيراقبون الآخرين بنظراتٍ غريبة، يبتلعون فرحهم وأحلامهم، ثم يتساقطون في بئر الظلام.
هؤلاء الذين يحسدون على المال أو المنصب أو حتى الأولاد، لا يعلمون أن هناك وجوهًا أخرى للواقع، حيث إن خلف هذه النعمة قد تكمن معاناة لا تُرى.
يعتقد الحاسدون أن الآخر يسبح في بحر من السعادة، لكنهم يتغافلون عن أن هذا الآخر قد يعاني من آلام في جسده، أو يخوض صراعات نفسية، أو حتى يكابد في سعيه وراء الرزق، هم يرون ملامح النجاح فقط، دون أن يروا الإرهاق الذي يرافقه، والدموع التي تخفى خلف الابتسامة، لا يدركون أن تلك الصورة اللامعة قد تخفي وراءها ليالي بيضاء وحروبًا مع الذات، وأن من يظنون أنه سعيد قد يكون أكثرهم ألمًا.
وفي عصرنا الحالي، ازدادت هذه الآفة انتشارًا مع ثورة التكنولوجيا وظهور منصات التواصل الاجتماعي، حيث تُصبح هذه المواقع أرضًا خصبة لزراعة بذور الحسد، في كل صورة تُرفع، وفي كل فيديو يتم مشاركته، نجد بعض النفوس تراقب بعيونٍ جائعة، تنتظر فرصة للتهام الفرحة، يظهر الآخرون في لحظات سعادة أو إنجازات، فتلتقطها أعين الحاسدين وتغذيها بالمرارة، لكن ما يغفل عنه الكثيرون هو أننا أحيانًا نُسرف في مشاركة تفاصيل حياتنا الخاصة على هذه المنصات، نظن أننا نتحدث إلى أصدقاء أو رفقاء درب، بينما قد يكون من بينهم من يسعى ليطعننا بعين حاسدة.
وفي غمرة هذه الثقة الزائدة، ننسى أن العين حق، وأنه في بعض الأحيان، ما يظهره القلب قد لا يلقى ترحيبًا من القلوب الأخرى.
إن الحذر من الحسد ليس مجرد دعوة للابتعاد عن السوء، بل هو درع يحمي أرواحنا من الأذى، علينا أن نتحلى بالحكمة في تعاملنا مع الحياة، فلا نسمح للآخرين برؤية شموعنا تضيء أمامهم، لئلا تذوب في لهيب الحسد.
حافظوا على خصوصيتكم، فالحياة ليست مجرد لقطات جذابة، بل هي رحلة طويلة تحتاج إلى صبر وحذر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة