في زمننا الحالي، تحوّلت الشاشات إلى بوابة يأسرها الأطفال، وأصبحت الألعاب الإلكترونية بمثابة إدمان يسرق ساعات من عمرهم الثمين، وأصبحنا نشهد، في صمتٍ، تدهورًا في ثقافة الأسرة، حيث غابت الرقابة وتضاءل دور الأب والأم في مراقبة ما يشاهده أطفالهم على هذه الأجهزة.
لعبة واحدة تصبح كلّ شيء، والشاشة تتحوّل إلى عالم موازي يعزلهم عن واقعهم الاجتماعي والإنساني، فقد بدأت العديد من الأسر في تكرار مشهد ممِلٍّ: الأطفال غارقون في ألعابهم الإلكترونية، يتنقلون بين مستوياتها بكل شغف، بينما الأهل غافلون عن التفاصيل الصغيرة التي قد تبدو تافهة، لكنها قد تكون بمثابة تذكرة لواقع مرير، فالساعات التي يقضيها الأطفال أمام هذه الألعاب لا تقتصر على متعة عابرة، بل قد تفتح الباب أمام تأثيرات سلبية على صحتهم النفسية والعاطفية.
هؤلاء الأطفال أصبحوا، بشكل غير مباشر، أسرى لألعاب لا ترحم، ما أشدّ مرارة أن تلاحظ كيف أصبحنا نربي أطفالنا بنظام "اللايك"، "الشير"، و"الإيموشن"، تحوّلنا إلى مجتمع تقوده أرقام لا تُنهي ولا تُغني، واختفت مفاهيم مثل "الثقة"، "الاهتمام"، و"الانتباه".
الثقافة التقليدية التي كانت ترسخ مبادئ الاحترام والمراقبة غدت من الماضي، وحلّت محلها شاشة خادعة لا تقدم سوى العزلة.
والأدهى من ذلك هو تلك الظاهرة الجديدة، حيث نجد أولادنا يتواصلون مع الغرباء عبر الإنترنت دون أدنى اهتمام بما يمكن أن يُخبّئه هذا التواصل من خطر.
غياب الرقابة الأسرية أصبح عائقًا أمام بناء الشخصية السليمة، بل وأدى إلى خلق بيئة يُستغل فيها الأطفال من قِبل أطراف قد تكون تهديدًا مباشرًا لأمنهم النفسي والجسدي.
إن الإدمان على الألعاب الإلكترونية أصبح ظاهرة تستحق الوقوف عندها، والبحث عن سُبل للتصدي لها، لا بد من إعادة النظر في كيفية تربية أطفالنا وتوجيههم نحو آفاق أوسع من مجرد الشاشات الصغيرة، فالتربية الحقيقية تبدأ من التواصل الفعلي، والتواجد بجانبهم في لحظاتهم الصادقة، فهل سنظل نترك أبناءنا فريسة لهذه الألعاب التي تقودهم إلى هوّة سحيقة؟ أم سنفيق على واقعٍ يهدّد مستقبلهم؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة