التخصص فى نقد الفن الروائى هو تخصص مميز لكون الرواية فنًا انسيابيا قادرا على استلهام الموروث والاستعانة بمختلف تقنيات السرد حتى تلك التى تخص أنوعا أخرى من الفنون.
وعندما كنت فى المرحلة التى تسبق التسجيل لدرجة الماجستير في النقد الأدبى والبلاغة والأدب المقارن بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، جمعت عددا من الكتب المعينة على التماس أكثر مع هذا العالم، فكان أن وقع في يدى كتاب صادر عن المجلس الوطنى للثقافة بالكويت سنة 1998 م بعنوان: "فى نظرية الرواية بحث فى تقنيات السرد" للناقد الجزائرى المعروف عبد الملك مرتاض، كان الكتاب "بدينا"، يشى بالحاجة إلى الجهد للإتيان عليه، لكننى كنت على استعداد لفعل هذا إن كان يعطى في المقابل تعويضا معرفيا ذا قيمة.
لكن للأسف كان الكاتب يتحدث فى أكثر من ثلاثمئة وخمسين صفحة عن موضوعات لا يمكن أن تملأ جملتها الفعلية أكثر من خمسين صفحة.. فعل هذا بدهاء أجبرنى على الاستسلام لهذه الثرثرة العلمية، فقد كان جل حديثه عن سمات "الرواية الجديدة"، هذا المصطلح الذى لم أكن قد وقفت له على ملامح محددة بعد.
ومن ثمّ كنت مضطرا لتحمل الكثير من التكرار والتطويل والتشعيب، متابعا مناقشات بيزنطية شرهة لم يرض صاحبها فيها بديلا عن ضمير جمع المتكلمين، ليبارز به جل ما تواضع عليه نقاد ومنظرو الفن الروائى فى الغرب والشرق، فبزهم وبرز عنهم بعبارتين اثنتين هما: "نحن نرى.. ونحن لا نرى"، فضلا عن نقده للعامية المصرية التى تعرض لها وهو يتحدث عن لغة الحوار، بشكل عنيف ومتكرر لم أقتنع معه بموضوعيته العلمية، فهى: "سوقية ساقطة فاسدة مسفة هذيلة ركيكة ساذجة قلقة متحولة ملحونة متدنية شاذة رذيلة ناشزة جافة مكدودة حافة (ولا أدرى ما معنى حافة)... لم يكف بداية من صـ 116 وحتى صـ 136"، الأمر الذى أشعرنى بنعوته لها تنسحب على المتكلمين بها ونحن منهم، ولاسيما وقد أجمل الإشارة للروائى الفذ "نجيب محفوظ".
وفى النهاية وبعد أن أنهكتنى الثلاثمئة والخمسون صفحة خرجت بمحصولى الفنى منها هزيلا لا يتوازى وجهدى المبذول، والسبب بالطبع هو غلبة الجانب الفكرى على الفنى، والثرثارى ـ إن صحت الكلمة ـ على القصدى، وانحسر هذا المحصول فى إضاءة وعيى بما يسمى "الرواية الجديدة" التى كنت قد قرأت عنها فى مقال للدكتور "سيد بحراوى"، احتواه كتابه "الحداثة التابعة فى الثقافة المصرية". إلا أنها لم تتحدد بشكل واضح إلا مع مرارات وغصص كتاب الدكتور الجزائرى، عندها استرجعت ذاكرتى عبارة كنت قد قرأتها لـ"نجيب محفوظ" ولم أفهمها ـ وقتها ـ بالوضوح الكافى، وكانت تشير إلى أنه يكتب طبقًا لمنهج متأخر عن منهج الرواية فى أوروبا، هنا انقسمت الرواية فى ذهنى قسمين، والفضل لم يكن للدكتور الجزائرى بقدر ما كان لصبرى وتماسكى وأنا أتجرع حصتى من هذا الدواء المر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة