أمهات شقيانة على لقمة العيش.. بائعات المخلل والسمك والِكشك كفاح يومى بفرشة على رصيف.. صباح: ربيت اليتامى واللى أبوهم سابهم.. وزينب: نفسى أعلم عيالى.. ومبروكة: بنزل من الفجرية وما أمدش إيدى لحد

الجمعة، 31 يناير 2025 07:00 ص
أمهات شقيانة على لقمة العيش.. بائعات المخلل والسمك والِكشك كفاح يومى بفرشة على رصيف.. صباح: ربيت اليتامى واللى أبوهم سابهم.. وزينب: نفسى أعلم عيالى.. ومبروكة: بنزل من الفجرية وما أمدش إيدى لحد أمهات شقيانة على لقمة العيش
كتبت – مرام محمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ما أن تدخل منطقة مزلقان المنيب، حتى تستقبلك عشرات النسوة البائعات يفترشن الأرض ببضاعتهن، منهن مطلقات وأرامل، وأخريات هجرهن أزواجهن، كل واحدة منهمكة في البيع والشراء، حاملة على كتفيها هموم ومسؤوليات تنوء بها الجبال، لكسب قوت يومها، ملبية نداء الأمومة.

ملحمة من الكفاح والعطاء لبطلات كادحات، دخلن معترك الحياة الصعب وخضن غماره بصبر وعزيمة دون يأس أو استسلام، يقضين يومهن في بيع "الخضرة، والمخلل، والجبنة، والمِش"، لظروف شاهدة على تضحياتهن ومثابرتهن وصبرهن حتى استطاعوا الوصول بأبنائهن حيث هم الأن.

"صباح.. مبروكة.. كوثر.. زينب"، لكل واحدة منهن حكاية تروى كن فيها الأم والأب معًا، واجهن قسوة الحياة بالعمل الشريف، تحملن أعباء مبكرة لإعالة أسرهن من عرق جبينهن، لم يتوقفن يومًا عن العطاء، راضيات بالمكسب البسيط، ونعمة الشقاء التي أغنتهم عن "الحوجة".

صباح جاد حسين
صباح جاد حسين

صباح جاد حسين، صاحبة الـ58 عامًا، إحدى الكادحات اللواتي تحملن مصاعب الحياة وحدهن بحثًا عن لقمة العيش الحلال، فاعتادت منذ أن طلقها زوجها الأول واختطف مرض القلب زوجها الثاني، أن تبتاع سلعًا مختلفة للعيش بعزة وكرامة، وتوفير متطلبات أبنائها الستة كلما كبروا وزادت احتياجاتهم دون الحاجة لمد يديها لأحد: "بقالي 40 سنة في الشارع، كافحت علشان أقدر أحمي أولادي وأكبرهم وأوفر لهم حياة كريمة، بعت كل حاجة، ليمون، وجبنة، وبيض، وسجائر، ودلوقتي ببيع مخلل عند مزلقان المنيب".

صباح جاد بائعة المخلل في المنيب
صباح جاد بائعة المخلل في المنيب

تزوجت في سن مبكر في زيجة كانت هي ضحيتها: "اتجوزت وانا عندي 16 سنة، ربنا رزقني بأربع أولاد، جوزي كان راجل كبير وماكنش فيه تفاهم ما بينا، طلقني وسابني بالأربع عيال من غير ما يسأل فيهم واحتياجاتهم من أكل وشرب وعلاج ولبس، أكبر عيالي وقتها كان في ثالثة ابتدائي، نزلت الشارع أبيع واشتري عشان أصرف عليهم وأوفر لهم احتياجاتهم من غير ما أمد إيدي لأحد".

كفاح وصمود وعطاء بطول العمر: "بعد ثلاث سنين اتجوزت، وخلفت ولد وبنت، لكن جوزي مِرض بالقلب والكبد وبعد 11 سنة توفى، ودا كان أصعب موقف عدى عليا، كملت كفاح، ربيت اليتامى واللي أبوهم سابهم، والحمد لله ربنا قدرني وكبرتهم بكفاحي وشقايا وعرقي.. ربنا يعين كل ست بتكافح وتجري على أكل عيشها، دي ست بـ100 راجل".

صباح جاد وابنتها زينب
صباح جاد وابنتها زينب

حياة حافلة بالعمل الشاق، تحملت فيها المسؤولية بنفس راضية وإرادة صلبة لا تقهر، دون أن تترك المجال لتسأل: "كيف لها أن تحمل كل هذا العناء": "اتعودت أجري على أكل عيشي، بكون فرحانة وأنا بعمل حاجة وباكل من شقايا وعرقي ومش بقول لحد يديني حاجة، ربنا يستر على عيالي ويصلح حالهم، مش عايزة حاجة من الدنيا، كل اللي طلباه من ربنا أطلع عمره".

زينب بائعة الشوكولاتة
زينب بائعة الشوكولاتة

على بعد بضع خطوات، تجلس "زينب"، وهي إحدى بنات الحاجة صباح، اللواتي يقمن بدور الأم والأب معًا لتوفير قوت أطفالهن بالرزق الحلال، فتحملت أعباء الحياة وحدها لتربي أبنائها وتعلمهم وتوفر لهم الحياة الكريمة التي سلبت منها منذ طفولتها: "ببيع أي حاجة تجيب لقمة العيش الحلال، أيام أبيع ليمون، أيام تانية ورق عنب، شوكلاتة للأطفال، جوزي عنده ظروف ومش بيشتغل، معايا 3 عيال، أكبرهم في ثالثة إعدادي وأصغرهم عنده ثلاث سنين، أنا ما تعلمتش ونزلت اشتغل من بدري، ونفسي أعلم عيالي وأربيهم تربية كويسة علشان يكبروا وينجحوا ويحققوا اللي أنا ما اعرفتش أحققه، ويشيلوني لما أكبر".

زينب بائعة الشوكولاتة في المنيب
زينب بائعة الشوكولاتة في المنيب

تقضي "زينب" يومها ما بين مشقة العمل وتربية أبنائها الثلاثة، تعاني ما تعانيه لتعلم أبنائها رافضة أن يفتهم قطار التعليم: "حنية عيالي عليا عندي بالدنيا وما فيها، بتناسيني كل تعبي، بنزل من البيت الساعة 7 أوصل بنتي وابني مدارسهم وبعدها أفرش بضاعتي وأبيع، وأروح نص الليل، أصعب حاجة لما أكون تعبانة ومضطرة أنزل الشارع عشان أجيب الجنيه واشتري لعيالي اللي نفسهم فيه، أنا أبوهم وأمهم، شايلة كل حاجة لواحدي، والحمد لله راضية، وهكمل شغل وكفاح عشان أكبرهم وأشوفهم أحسن ناس في الدنيا".

كوثر محمد بائعة السمك في المنيب
كوثر محمد بائعة السمك في المنيب

أما بائعة السمك، كوثر محمد أحمد، صاحبة الـ55 عامًا، فكانت خير معين لزوجها في مرضه، ولأبنائها بعد وفاته، راضية، صابرة: "كل الستات بتشقى وتكافح عشان عيالها، من وقت ما وعيت على الدنيا وانا بشتغل، جوزي كان عاجز، نزلت الشارع وبيعت ذرة وبعدها سمك، عشان أساعده، وبعد ما مات كملت كفاح عشان أساعد عيالي، معايا ابن بياخد علاج للمرض النفسي، وابن لسه بيتعلم، وابني الثالث بيشتغل ويساعدني، وسعادتي أني أشوفهم كويسين".

كوثر محمد أحمد بائعة السمك
كوثر محمد أحمد بائعة السمك

بابتسامة رضا لا تفارق محياها، اختتمت "كوثر"، ابنة محافظة أسيوط، حديثها، لمواصلة عملها، قائلة: "مواقف صعبة كتير عدت عليا، أصعبها موت بنتي وهي عندها 35 سنة.. أنا عيانة وعندي السكر، وبكافح على عيالي وبجري على أكل عيشي، بطلع من بيتي 6 الصبح عشان أجيب لقمة العيش وأوفر العلاج لابني المريض، وهي دي عيشتي وحياتي والحمد لله، باكلها بالحلال".

مبروكة أحمد
مبروكة أحمد

صراع مرير خاضته، مبروكة أحمد عبد العليم، صاحبة الـ62 عامًا، منذ أن فقدت أملاكها وهجرها زوجها تاركًا لها عشرة أبناء: "أنا من مركز ببا، محافظة بني سويف، ببيع جبنة، وكِشك، وثوم، وملوخية، اتجوزت واحد خلفت منه ثمان بنات وولدين، اتجوز واحدة تانية، وباع بيوتنا واخد فلوسنا ورمانا في الشارع وطلقني، يعلم ربنا باللي حسيت بيه ساعتها، من وقتها وأنا بجري على عيالي، جوزت 5 بنات، ومعايا بنات لسه في ثانوي بيتعلموا".

مبروكة بائعة الثوم والكشك
مبروكة بائعة الثوم والكشك

اعتادت "مبروكة" على أن تناضل لتحصل على قوت يومها، تسعى في الحياة بكل همة ونشاط مع كل طلعة شمس والناس نيام، تبدد آلامها بالكفاح والعمل: "عمري ما اتعب، بنزل من البيت كل يوم الساعة 4 الصبح، أوصل السوق 8 أفرش طول اليوم، وأحيانًا أرجع البيت نص الليل أنام ساعتين وارجع تاني الساعة 4 أكمل شغل، دول عيالي أقطع من جسمي وأكلهم، وهفضل أشتغل وأكافح لحد ما أموت وما امدش إيدي".

مبروكة أحمد عبد العليم
مبروكة أحمد عبد العليم

رحلة كفاح مرهقة، شاهدة على نضال أم عظيمة، ترفض الاستسلام: "نفسيتي بتبقى في أحسن حال وانا شغالة، دي أكتر حاجة بتسعدني، لما اتعب واشقى وأكل عيالي عندي بالدنيا وما فيها، وكل اللي نفسي فيه إني أفضل أكافح واشتغل ووفر لعيالي كل اللي نفسهم فيه، وربنا ما يحوجنا لأي حد".










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة