تقررون طرد اللاجئين من فوق أراضى بلادكم، وترون أنهم يمثلون تهديدا حقيقيا على أمن وأمان واستقرار أوطانكم، فى الوقت الذى تستبيحون فيه أراضى ومقدرات الأوطان الأخرى، وتطالبون شعوبها بقبول حلول تطهر خطاياكم، واستقبال شعب مهجر قسريا من أراضيه! أى عار يسجله التاريخ الآن، من ازدواجية المعايير، وسياسة الكيل بمائة مكيال! هل هذه هى الحرية والديمقراطية وقيم حقوق الإنسان السامية التى تترنمون بها وصدعتوا رؤوس شعوب العالم بهذه النغمة طوال عقود ماضية؟
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، من قبل ومن بعد تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة، يرفع شعار أمريكا للأمريكيين ويجب طرد كل المهاجرين وبناء الأسوار على الحدود لمنع التسلل، فى دغدغة كبيرة لمشاعر أنصاره، ثم يطالب شعوبا أخرى باستقبال لاجئين يهجرون قسريا من أراضيهم، بهدف توسعة رقعة الكيان المحتل، كون أن ما يحتله صارت رقعة جغرافية صغيرة وضيقة - كما يرى - فى تطبيق للقول الشارح الجامع «أعطى ما لا يملك.. لمن لا يستحق».
وإذا كانت «لغة» القوة هى المسيطرة حاليا على كوكب الأرض، فقد تصلح «ترجمتها» فى دول، ويستعصى ترجمتها فى دول أخرى منها مصر، كون شعبها كبيرا ومتماسكا، يتكئ على حضارة ملتصق عمرها بعمر الكون، وهو ما ظهر جليا خلال الساعات القليلة الماضية فى اصطفاف شعبى جارف رافض لما تردد من أخبار عن نية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، مطالبة الدولة المصرية، بقبول الفلسطينيين وتسكينهم فى سيناء.
الرفض الساخط لـ120 مليون مصرى، سبق قرار الحكومة الرسمى الرافض، فى رسالة واضحة أن المصريين لا يقبلون مجرد الطرح، وأن رفضهم مزدوج، رفض التفريط فى أراضيهم لأى كائن من كان، ورفض تهجير الأشقاء الفلسطينيين قسريا من أراضيهم.
الاصطفاف الشعبى الكبير، مذهل، ولا يحتاج لترجمة شعرية تترنم عشقا وولعا فى حب سيناء، لأنها تسكن قلوبهم، ولا يحتاجون لخرائط جغرافية للتدليل على أنها أرض مصرية خالصة، لأنها منقوشة على جبين وجود الكون أنها مصرية، ومنذ أن هبط سيدنا آدم، على الأرض، وستظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بحراسة وعناية الشعب وقوة سواعد جيشه العظيم، الذى يحرس ويدافع بجسارة عن الأرض، ولم يشتر يوما الحماية من أحد!
الاصطفاف الشعبى الكبير الرافض مجرد طرح الإدارة الأمريكية، يؤكد أن أرض الفيروز محصنة تحصينا حديديا، بعزيمة المصريين وعقيدتهم الراسخة والثابتة فى عدم التفريط فى حبة رمل واحدة، وليس شبرا من أراضيه، ويلتف بقوة حول قيادته السياسية للدفاع عن هذه العقيدة، ويقدم كل وسائل الدعم لجيش مصر للزود والاستبسال والتضحية عن الأرض والحدود والمقدرات، ولا يمكن أن ننسى أن سيناء أرض محصنة بـ«رقية» دم خيرة شبابها من جنود وضباط الجيش والشرطة، والتى تعبق بها رمالها، لذلك لا يستطيع غريب مستعمرا كان أو طامعا، أن يضع قدمه فوق حبة رمل من رمالها.
رسائل إجماع واصطفاف المصريين، واضحة، تقول زاعقة حاسمة، سيناء لا يمكن أن تكون جزءا من صفقات من يتحدثون عنها، مهما كانت نوعية ومسمى هذه الصفقات، وأعلنتها الدولة المصرية على لسان رئيسها عبدالفتاح السيسى، وبصوت عال فى استاد القاهرة يوم 23 نوفمبر الماضى، وسط الآلاف من المصريين ومتابعة الملايين أمام شاشات القنوات التليفزيونية، داخليا وخارجيا، ضمن فعاليات احتفالية «تحيا مصر.. تحيا فلسطين» عندما قال نصا: «أؤكد لكم بعبارات واضحة، وكلمات صادقة، بأننا عاقدون العزم على المضى قدما فى مواجهة هذه الأزمة، متمسكين بحقوق الشعب الفلسطينى التاريخية، وقابضون على أمننا القومى المقدس، نبذل من أجل ذلك الجهد والدم متحلين بقوة الحكمة، وحكمة القوة، نبحث عن الإنسانية المفقودة بين أطلال صراعات صفرية، تشعلها أصوات متطرفة، تناست أن اسم الله العدل، يجمع البشر من كل لون ودين وجنس، وأن السلام هو خيار الإنسانية، ولو ظن أعداؤها غير ذلك».
قوة تحذيرات الرئيس عبدالفتاح السيسى، نابعة من إجماع شعبى، وإرادة جماهيرية تلتف حوله، لا تلين أمام عواصف وضغوط وأحداث فى أن سيناء لا يمكن أن تكون إمارة لفصيل أو تنظيم، ولن تكون حديقة خلفية يحاول الجيران أو دول إقليمية أو قوى دولية حل أزماتهم ومشاكلهم من خلالها، أو حلا لتطهير خطاياهم، وتورطهم فى إبادة شعب، وطرده من أراضيه قسريا، حتى لا يشعرون بتأنيب الضمير يوما، أو خزى وعار يلاحقهم فى غرف نومهم، ومحاولة واهية وكاذبة للتبرؤ أمام العالم الذى يرفض تحمل مسؤولياته.
وفى الأخير نسأل: ما جدوى وجود تمثال الحرية فى موقعه المطل على خليج نيويورك، ليكون فى استقبال كل زائرى البلاد سواء كانوا سائحين أو مهاجرين؟ أعتقد إزالته أجدى فلا يعبر مطلقا عن الحرية والقيم الإنسانية وفى القلب منها «العدل والإنصاف» التى تترنم بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، قولا، لا فعلا!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة