عندما نتحدث عن قناة السويس، فلا يمكن حصر القول فى كونها أهم شريان مائى فى العالم، أو كم تكلف تنفيذ حفرها من أموال المصريين الخالصة، وإنما نتحدث عن تاريخ عريق، فكرة تنفيذها تسبق وجود أمم كبرى، فأول من فكر فى ربط البحرين الأبيض والأحمر، بطريق غير مباشر، عن طريق النيل وفروعه هو الملك سنوسرت الثالث، من الأسرة الثانية عشرة، وذلك فى الفترة ما بين 1878 و1839 قبل الميلاد، بهدف توطيد التجارة وتيسير المواصلات بين الشرق والغرب، فقد كانت السفن القادمة من البحر الأبيض المتوسط تسير فى النيل حتى الزقازيق ومنها إلى البحر الأحمر عبر البحيرات المرة، والتى كانت متصلة به فى ذلك الوقت، وبدأ التنفيذ فعليا، وما زالت آثار هذه القناة موجودة حتى اليوم فى جنيفة بالقرب من السويس.
ونظرا لعدم الاهتمام بالصيانة والتطوير فى تلك الفترة السحيقة، دفنتها الأتربة، وتوقفت، ثم أُعيدت محاولة إحيائها من جديد 6 مرات تقريبا، فى أزمنة تالية، حتى جاء فرمان إنشاء شركة لشق قناة السويس، وبدء تنفيذ الحفر فى 25 أبريل 1859، رغم اعتراضات إنجلترا والباب العالى، إلا أن مصر وبعد رفض دول كبرى حينها دعم المشروع الأضخم، من عينة إنجلترا والنمسا، بدأت خطوات التنفيذ، برأس مال وطنى، وسواعد مصرية.
وتدفقت مياه البحر الأبيض المتوسط فى بحيرة التمساح فى 18 نوفمبر 1862، وكانت وقتئذ عبارة عن منخفض من الأرض، تحُفُّه الكثبان الرملية ويقع فى منتصف المسافة بين بورسعيد والسويس.
ومنذ افتتاحها فى 17 نوفمبر 1869 مرت القناة بمراحل تاريخية وشهدت تطورات وأحداثا كبرى كان من أبرزها قرار التأميم الذى أعاد الحقوق لأصحابها، وتعرضت للإغلاق بعد حرب عام 1967، ثم افتتحت فى يونيو 1975.
ومن خلال هذا السرد المبسط، والمختصر، يتضح أن المصريين هم أصحاب الفكرة والتنفيذ قبل 4 آلاف سنة تقريبا، لم تكن أمم من التى تتحكم فى مصير العالم الآن، لها وجود على الخريطة الجغرافية، ومنذ إعادة «حفرها» فى العصر الحديث أى منذ 166 سنة، أصبحت القناة «محفورة» على جدران ذاكرة أمة تاريخها ملتصق بوجود الكون، ومدونة فى سجلات التاريخ بمداد الدم المقدس والتضحية بالأرواح، ومرسومة بخطوط حمراء، لا يمكن أن يتجاوزها كائن من كان.
فى الآونة الأخيرة، عادت الأطماع الاستعمارية لتطل برأسها ووجهها القبيح، محاولة أن تفتح جراحا غائرة، وتتحدث عن الحقوق التاريخية والإرث القديم والوعد الإلهى، بهدف السيطرة والاستحواذ على مقدرات الشعوب، بسلاح التهديد والوعيد وتفجير البراكين سواء فى المنطقة، أو بقع جغرافية بعيدة!
وانطلاقا من هذه التهديدات والأوضاع المتفجرة، فإن الأمم التى تمتلك شعوبا متماسكة ومنسوب الوعى مرتفع لديها، ثم جيشا قويا قادرا على الردع والتصدى للأطماع ورقما صحيحا فى معادلة القوة لا يمكن أن تخطئه العين، فإنها قادرة على الدفاع عن نفسها، وستقف على أرضية صلبة، ولا يمكن أن تكون لقمة سائغة، أو فريسة سهل اصطيادها.
والحقيقة المؤكدة أن المصريين زاد لديهم منسوب الوعى بشكل مدهش، وأن ثقافتهم وإلمامهم بحجم المخاطر التى تحيق بالوطن، تجاوز منسوب وعى وثقافة النخب، وصاروا حصنا قويا يدافعون عن بلادهم، ويثقون فى قدرات جيشهم، وجدارته القتالية، وعقيدته القائمة على التضحية بالأرواح والدم فى الدفاع عن الشعب والأرض والعرض.
ولن نلتفت لمحاولة لناشط أو صحفى بريطانى هنا، أو معتوه صهيونى هناك، يهذى ببعض الكلمات الساذجة على السوشيال ميديا، ويلمح بشكل بائس عن قناة السويس، دون إدراك أو وعى، أن قناة السويس، ليست كمثيلتها البنمية، فهى تمثل للمصريين، تاريخا محفورا على جدران ذاكرتهم، ومصدرا للعزة والافتخار للمصريين، وتأكيدا على امتداد وتجذر عقيدة وثقافة البناء والحفر والتعمير منذ بزوغ الكون حتى الآن، ورافدا للدخل القومى من العملة الصعبة، ورقما صحيحا وقويا فى حركة التجارة الدولية، ناهيك عما أحدثته من نهضة وتنمية شاملة غيرت وجه الحياة فى مدن القناة، لذلك فهى خطوط حمراء، وليست خطا واحداَ، تُقدم الأرواح والدماء المقدسة للدفاع عنها وعن كل حبة رمل من رمال أرض الكنانة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة