الموسيقى هي جزء لا يتجزأ من التراث الإنساني، ولها دور كبير في التعبير عن الهوية الثقافية والحضارية للشعوب، وفي مصر، كانت الموسيقى ولا تزال واحدة من أهم الفنون التي تمثل الروح الوطنية والاجتماعية.
ومن بين الآلات الموسيقية التي ترتبط بالثقافة المصرية الحديثة، السمسمية فهي من الرموز الشعبية التي تميز مدن القناة مثل بورسعيد، الإسماعيلية، والسويس، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل للسمسمية جذور في مصر القديمة؟
كانت الآلات الوترية، مثل الهارب (القيثارة)، من أبرز الآلات الموسيقية المستخدمة في مصر القديمة، وقد وثقت النقوش والرسومات في المعابد والمقابر وجود هذه الآلة في مختلف المناسبات، سواء كانت دينية أو احتفالية. الهارب، ذو الشكل المنحني والأوتار المشدودة، كان يستخدم من قبل العازفين في المعابد لخلق أجواء روحانية خلال الطقوس الدينية، كما كان يرافق الملوك والنبلاء في احتفالاتهم.
إلى جانب الهارب، ظهرت الآلات الإيقاعية مثل الدفوف والطبول، وآلات النفخ مثل المزمار، ورغم هذا الثراء الموسيقي الذي وثقته الآثار، لا توجد أدلة أثرية مباشرة تشير إلى وجود آلة مشابهة للسمسمية بشكلها الحالي في العصر المصري القديم.
تُعد السمسمية، كما نعرفها اليوم، تطورًا حديثًا نسبيًا، ويُعتقد أنها مستوحاة من آلات وترية ظهرت في ثقافات شرق أفريقيا وجنوب الجزيرة العربية، مثل آلة التانبور أو الطنبورة. هذه الآلات، التي تعتمد على الأوتار المشدودة فوق صندوق خشبي، دخلت مصر عبر التفاعلات الثقافية والتجارية التي ربطت بين مصر والدول المجاورة، خاصة عبر البحر الأحمر.
مع حفر قناة السويس في القرن التاسع عشر، شهدت المنطقة تدفق أعداد كبيرة من العمال من مختلف أنحاء مصر ومن خارجها، وفي هذا السياق، برزت السمسمية كآلة شعبية تجمع بين البساطة والتعبير الفني. أصبحت السمسمية وسيلة للتسلية والترفيه للعمال، ثم تطورت لاحقًا لتصبح أداة للتعبير عن الهوية الوطنية خلال أحداث مقاومة الاحتلال البريطاني، خاصة خلال فترة العدوان الثلاثي عام 1956.
وفي مدن القناة، أخذت السمسمية مكانتها كرمز شعبي يعبر عن الروح الجماعية للسكان، واستخدمت في الأغاني التي تحمل مضامين وطنية، وتروي قصص النضال والصمود في وجه العدوان.
على الرغم من ارتباط السمسمية بالتراث الشعبي المصري، فإن الدراسات الأثرية لا تقدم دليلاً واضحًا على أن هذه الآلة كانت موجودة في مصر القديمة. النقوش والرسومات التي تعود للعصر الفرعوني توثق آلات وترية وإيقاعية، لكنها لم تسجل وجود آلة تطابق السمسمية بشكلها الحالي.
مع ذلك، يمكن القول إن السمسمية تأثرت بشكل غير مباشر بالعناصر الموسيقية المصرية القديمة، حيث استلهمت من البيئة الموسيقية التي شكلتها مصر عبر تاريخها الطويل.
في السياق الحديث، أصبحت السمسمية أكثر من مجرد آلة موسيقية، إنها تمثل تراثًا فنيًا يعكس تطور الحياة الثقافية والاجتماعية في مدن القناة. الأغاني التي تُغنى باستخدام السمسمية تعبّر عن مشاعر الحب، الغربة، الصمود، والوطنية، كما أنها تسجل أحداثًا مهمة في التاريخ المصري الحديث، مما يجعلها أداة فنية وتاريخية في آنٍ واحد.
علميًا وأثريًا، لا يمكن الجزم بأن السمسمية ذات أصل مصري قديم، لكنها نتاج تطور ثقافي حديث يعكس التفاعلات التاريخية والثقافية بين مصر والمناطق المجاورة، فالسمسمية اليوم هي رمز من رموز التراث الشعبي في مدن القناة، وتجسد الروح المصرية في صمودها وقدرتها على التكيف والإبداع.
وتظل السمسمية واحدة من الأدوات الموسيقية التي تحمل في أوتارها قصص الأمل والنضال، وتربط بين الماضي والحاضر، بين التراث والحداثة، في مشهد موسيقي يمس القلوب ويحفز الأرواح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة