محمد خضير قاص عراقى صاحب صوت سردي خاص، وأعمال كبيرة القيمة، ولد فى البصرة عام 1942، وتخرج فى دار المعلمين بها، وعمل مدرسا بإحدى مدارسها، بدأ كتابة القصة القصيرة فى عام 1960، ولفت الانتباه إليه عندما نشر قصته القصيرة "الأرجوحة" بمجلة "الآداب" البيروتية عام 1962، ثم توالت مجموعاته القصصية وأعماله، ومن بينها: (المملكة السوداء) 1972، التى اعتبرها بعض النقاد بداية لتغيير القصة العراقية على نحو جذري، (في درجة 45 مئوي) 1978، (بصرياثا - صورة مدينة) 1993، (رؤيا خريف) 1995، (كراسة كانون) 1995، (حدائق الوجوه) 2008، كما أصدر بعض الكتب النقدية، ومنها (الحكاية الجديدة) عام 1995، تناول فيه تجربته الأدبية وقدم تصوراته عن الصلات بين فن الحكاية القديمة والقصة القصيرة الحديثة، كم صدر له كتاب بعنوان (السرد والكتاب) عام 2010 تضمن بعض مقالاته التى نشرها فى عدد من الصحف والمجلات وتناول فيها آفاق الرواية والقصة القصيرة.
تنطوى أعمال محمد خضير القصصية على مغامرة كبرى باتجاه إعادة النظر فى شكل القصة القصيرة وفى تناولاتها على حد سواء، وقد رأى كثيرون من النقاد الذين كتبوا عنه أنه مع يوسف إدريس، وزكريا تامر، أهم من طوروا فن القصة القصيرة العربية، فى مجموعته الأولى (المملكة السوداء) احتفى بتجديد الشكل القصصى واهتم بسبر أغوار الزمن الموصول بأماكن محددة وبشخصيات تم الدفع بها إلى هامش المجتمع. وفى مجموعته الثانية (فى درجة 45 مئوى) استكشف عالمه فى أماكن منزوية وخلال شخصيات مساقة بحنين جارف إلى عوالمها الأولى. وفى نصيه المغامرين، المفعمين بالجمال (بصرياثا - صورة مدينة) و(الطريق إلى باصورا) قدم شكلا سرديا فريدا، أشبه بسيرة ذاتية لمدينة، حافلة بميراث ممتد بات واقعا تحت مرمى التهديد والدمار، غازلا الحلم بالواقع، والجديد بالموروث، وصائغا شخصيات أشبه باختزالات لنماذج إنسانية أوّلية، منطلقا من الاحتفاء بالأواصر التى تصل المكان بتواريخه الغابرة فى زمن قديم، وبتواريخه الممكنة فى زمن محتمل.
فى مجموعته الثالثة (رؤيا خريف) واصل محمد خضير رحلة تقصيه لاستكشاف ما يصل بين الزمن والمكان والبشر، ونحى منحى "غرائبيا" (كانت ملامحه قد بدأت فى "بصرياثا") ماثلا فى مواجهة البعد الوقائعى، بما جعل مركز الاهتمام فى هذا العمل موصولا بالبحث عن "الرؤى" الكامنة وراء المشاهد والوقائع، ومقرونا بالجوهر الكامن وراء المسميات والشخصيات العارضة التى تلوح كأنها "مع الأفكار والنسيج كله"، على حد تعبير أحد نقاد محمد خضير، خارجة من "ميثولوجيات المكان".
أما عمله (حدائق الوجوه)، فأشبه بتأملات بالكتابة فى الكتابة، كما قال هو عنه: "إن كتاب حدائق الوجوه هو حالة تأمل في عملية التأليف، وهو جاء بعد تراكم قصصي طويل".
آثر محمد خضير أن ينأى عن الأضواء لزمن طويل، كما كتبت عنه في "قاموس الأدب العربي"، رغم أنه في عام 2003 فاز بجائزة "العويس"، فى دورتها الثامنة، فكان هناك اهتمام بتجربته الإبداعية.. وقد دعاه المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة إلى حضور مؤتمر دولي حول القصة القصيرة.. ووافق بعد تردد، ولكن موافقته لم تستمر.. إذ عاد إلى طبيعته الملازمة التي تتهيب من الأضواء، وأرسل اعتذاره عن الحضور في وقت مناسب قبل انعقاد المؤتمر.. ولكن العارفين والعارفات بقيمة ما يكتب يبحثون دائما عن كتاباته ويستمتعون بها.