نهى النحاس

الطريق إلى "زد" لا يؤدى إلى "ألفا"

الخميس، 23 يناير 2025 04:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أصيبت المراكز البحثية ومدارس الإعلام حول العالم منذ سنوات بحمى الجيل زد، الذي جاء ليترجم تغيرًا ثوريًّا في كيفية التعاطي مع مصادر المعلومات والحصول عليها، فالجيل الذي سبقه تعلم بطرق مختلفة أن يبحث عن المعلومة بنفسه، ومن مصادر لم تكن متاحة بهذه السهولة، قبل أن يكافأ باختراع محركات البحث وإدراج مصادر المعلومات المفتوحة عبر شبكة الإنترنت.

وتزامنت الدراسات التي تحاول فهم ذلك الوافد الجديد، الذي يمثل النواة القادمة للمجتمعات، مع كم متزايد من الافتراضات والمعلومات غير الدقيقة، التي لم تساهم سوى في إضعاف توطيد مسارات الوصول إليه، سواء عبر آليات الاتصال العام أو عبر وسائل الإعلام المؤسسية، ودفعت أكثر باتجاه خلق أفكار مسبقة غير فاعلة.

الجيل الذي تتراوح أعماره اليوم ما بين 13 و25 عامًا، بدت عليه ملامح أولية من اللامبالاة وعدم الجدية والرغبة في الحصول على المعلومات السريعة المعلبة، وارتبط في أذهان الكثيرين بالمؤثرين وصناع المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي.

جيل نظر إليه باستهانة، ففاجأ الجميع وهو يملأ الفضاء الرقمي بمحتوى معلوماتي وترفيهي وتسويقي بارع ليغير القواعد جذريًا ... ثم رأيناهم يجبرون وسائل الإعلام الكبرى على التعلم من نسقهم التقني والفني، ووجدناهم يتابعون بتصميم قضايا لم تكن على أولويات أجنداتنا، مثل التغير المناخي، الذي يعتبرها -للأسف- قطاع كبير منا قضايا غير ملحة على الرغم من تأثيرها المتنامي على مستقبلنا.

ما نعرفه عن هذا الجيل أنه الأكثر تعليمًا وتنوعًا حضاريًا، تعد منصات التواصل بالنسبة له بمثابة الصحف بالنسبة لنا، يفضل المحتوى الكوميدي بنسب تتعدى 67 في المائة عن مجمل مشاهداته، ثم يليها مقاطع التعلم، وتتذيل مقاطع الأخبار اختياراته بنسب لا تتعدى الـ 39 في المائة.

تُعد إنستجرام وتيك توك المنصات الأقرب لتفضيلاته المرتكزة على المحتوى المرئي ومقاطع الفيديو القصيرة، ويستخدم تلك المنصات لعدد ساعات تتراوح ما بين ساعتين إلى 6 ساعات يوميًا، يتعامل ببساطة مع تقنيات الواقع المعزز والافتراضي AR & VR. يفضل المحتوى المتاح والذي يستطيع الوصول إليه في أي وقت يناسبه، ويرفض فهم حتمية مواعيد البث المباشر أو أوقات الذروة الإعلانية، ونسبة كبيرة منهم تصل إلى 80 في المائة توافق على الدفع مقابل المشاهدة، وتلقى منصات نتفليكس وديزني تفضيلًا لدى أغلبية القطاع؛ يتعرض للإعلانات الرقمية بغزارة، ويصنع قرارته الشرائية بناء على تجارب مستخدمين آخرين لا يعرفهم.

ولكن السؤال مع توافر كل تلك البيانات الغزيرة عنه، هل تستطيع وسائل الإعلام حول العالم أن تكتفي بها لتبني قراراتها التحريرية والتقنية؟، هل تعبر تلك التفضيلات عن الجيل بأكمله، باختلافاته الثقافية والاجتماعية ومستويات تمكينه الاقتصادي في مجتمعاته؟

الإجابة كلا، ففي حين تظهر دراسات سلوكية في الولايات المتحدة أن أنماط الاتصال لدى الجيل زد هناك ترتكز على احتياجاته أولا، تظهر دراسات أخرى في دولة مثل إيطاليا أن تفضيلات هذا القطاع في مجتمعها هو المحتوي الذي يعبر عن القيم التي يؤمن بها، في نفس الوقت لا تتوافر أي معلومات عن تفضيلات تلك الفئة العمرية المهمة وماذا يأتي قبل ماذا بالنسبة إليهم في بلادنا.

فالواقع أن الإعلام، بالأخص في عالمنا العربي، لا يتطور بالسرعة الكافية ولا يهتم بالفهم المعمق ليساير تطور هذه الأجيال، وسيجد نفسه وهو يحاول فهم جيل زد أمام جيل أكثر تجددًا واختلافًا، وهو جيل ألفا، الذي سيكون نقطة تحول أخرى ومفترق طرق جديد.

جيل ألفا
ونحن نناقش كيف نصل إلى جماهير زد وإلى فهم ماذا يفعلون ويريدون، علينا أن نفهم أيضًا أن هناك جيلًا آخر يتشكل حاليًا بهدوء بعيدًا عنا وبعيدًا عن الثقافة والقيم التي تحكم مجتمعه، جيلًا لا نفهمه ولن يفهمنا، وكلما ابتعدنا عنه، ستكون الأرضيات المشتركة بيننا وبينه نادرة، وهو جيل ألفا أو الجيل الذي تتراوح أعماره اليوم ما بين عام و14 عامًا، القطاع الواعي عمريًا من هذا الجيل يتحدث اللغة الرقمية بطلاقة وليس لدينا ما يفيد بأنه يتابع أيًا من وسائل الإعلام بشكلها الحالي، ولا هو مضطر أن يتبع نسقنا في استهلاك الأخبار ولو بنسب ضئيلة.
جيل ألفا يحترف التكنولوجيا ولا يفضل التعامل الاجتماعي، أو أن يكون جزءًا من محيطه الطبيعي، فهم دائمًا متصلون، ولديهم انتباه دائم لأجهزتهم الرقمية ويضعف هذا الانتباه خارجها. هم مستقلون لدرجة لا يمكن فهم أبعادها حاليًا، يثقون في التواصل مع الآلة أكثر من ثقتهم في التواصل مع رفاقهم، ينظرون إلى احتياجاتهم كضرورة ملحة لا استغناء عنها أو مناقشتها.
في حين يرى الجيل زد أن تطبيقات الألعاب مختلفة عن مكونات التعليم، يراهما ألفا مكونًا واحدًا لا ينفصلان، يريد هذا الجيل أن يتعلم عبر الألعاب، وأن يربي نفسه بنفسه، ويخلق عالمه وينزع حدوده.
ولن يتوقف التحدي عند أجيال زد وألفا، ونحن نرحب اليوم بجيل "بيتا" الذي وصل إلى عالمنا هذا الشهر، وليمنحنا الله العمر والقدرة لنفهم تطور استخداماته للتكنولوجيا المستقبلية التي ستصنعها الأجيال التي سبقته؛ أجيال سوف تحكم القادم، ولو تغافلنا عنها حاليًا ستفاجئنا هي مستقبلًا.
إن إدراك أن الإعلام بشكله الحالي يفقد تأثيره وقدرته على الوصول لقطاعات يزداد عددها كلما مر الوقت هو إدراك ضروري ومحفز في الوقت نفسه للعمل أكثر وبشكل مستدام على البحث والفهم وخلق آلية مبدعة تضمن التطوير ولا تضطرنا إلى إعادة اختراع العجلة كل مرة.


 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة