بيشوى رمزى

"الصراع الناعم".. رؤية ترامب فى "صناعة السلام"

الخميس، 23 يناير 2025 12:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"صناعة السلام" يبدو الهدف الأهم والأبرز الذي يروج له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع ساعاته الأولى في البيت الأبيض، وهو الأمر الذي يمثل امتدادا لوعوده الانتخابية التي قامت في الأساس على "تبريد" الكوكب الذي بات مشتعلا، في إطار امتداد الصراعات بين الشرق الأوسط وأوروبا مرورا بأفريقيا، وحتى القارة الآسيوية، وهو ما بدا في وعوده المرتبطة في الحرب التي شهدتها غزة لأكثر من 15 شهرا، وما ارتبط بها من اعتداءات، وكذلك الحديث عن الأزمة الأوكرانية، وهي القضايا التي لم تنجح إدارة جو بايدن السابقة، في تحقيق إنجازات كبيرة بها، في ظل العديد من المعطيات، منها الانحياز الأمريكي لطرف على حساب الآخر، بالإضافة إلى تراجع مكانة واشنطن، وقدرتها على ترويض، ليس فقط خصومها الدوليين، وإنما حتى حلفائها، وهو ما بدا بصورة أكبر في أزمة غزة، وتعنت بنيامين نتنياهو ورفضه لدعوات واشنطن وقف إطلاق النار لشهور طويلة.

والواقع أن ترامب أظهر "كرامة" مهمة، عندما أدار ملف غزة، قبل دخوله البيت الأبيض، حيث تمكن من إظهار قوة أمريكا المفقودة، سواء على مستوى الداخل، عبر فرض إرادته بإنهاء الأزمة وإعادة الرهائن الإسرائيليين، وهو ما يترتب عليه منطقيا ضرورة وقف إطلاق النار (حتى وإن لم يعلن الأخيرة صراحة) قبل دخول البيت الأبيض، وهو ما يعد أمرا استثنائيا في ظل وجود إدارة أخرى قائمة تتولى شؤون البلاد، من جانب، بينما على المستوى الدولي، أظهر قدرته على كسر تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي، وحكومته، عبر إجبارهم على الرضوخ، على غير إرادتهم، وهو ما بدا في حديث مبعوث الرئيس الأمريكي الجديد الذي زار المنطقة، بهدف الضغط على تل أبيب.

إلا أن ثمة العديد من التساؤلات حول طبيعة السلام الذي يسعى إليه ترامب، ويؤكد عليه مسؤوليه، وأخرهم وزير الخارجية ماركو روبيو، والذي أكد أن الولايات المتحدة لن تكون أمة قوية إذا لم تتمكن من فرض السلام على العالم، وهو الخطاب الذي يبدو في واقع الأمر متناقضا مع نظرية النفوذ التي تتبناها واشنطن منذ بزوغ نجمها على الساحة الدولية، والتي تقوم في الأساس على حالة "البحث عن صراع"، حيث أن بقاء الصراعات يمثل مدخلا مهما لوجود دور أمريكي، في مناطق الصراع المختلفة، وهو ما يعني بقاء نفوذها وبالتبعية قيادتها المطلقة للعالم، وهو ما يعكس، على سبيل المثال، بزوغ نظرية صراع الحضارات، في عام 1993، على يد الأكاديمي الشهير صموئيل هتنتجتون، في مقال تحول بعد ذلك إلى كتاب، ليكون مدخلا للحروب التي خاضتها أمريكا بعد ذلك بسنوات، وذلك بعد نهاية الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وما ينبغي أن يترتب على ذلك من استقرار.

التعارض بين خطاب "صناعة السلام" في العالم، والذي يتبناه الرئيس الجديد، لا يتعارض فقط على رؤية أمريكا التاريخية المرتبطة ببقاء نفوذها، وإنما أيضا ما يرتبط بأجزاء مهمة من خطاب ترامب نفسه، في إطار ما أثاره حول ضم مناطق أخرى، على غرار كندا، وقناة بنما، وجزيرة "جرينلاند" الدنماركية، والتي تتعارض مع فكرة احترام سيادة الدول، وهو ما يطرح تساؤلات حول الكيفية التي ستدير بها واشنطن الصراعات في حقبة ترامب، وهو ما يمكننا تسميته بـ"الصراع الناعم".

حديث ترامب عن ضم أجزاء من العالم، لا يحتمل بأي حال من الأحوال استخدام القوة العسكرية، وهو ما يبدو في إطار الحديث عن سياسة "البيع والشراء" فيما يتعلق بجزيرة جرينلاند، على سبيل المثال، وهو الأمر الذي أسميته في مقال سابق بـ"الاستعمار الناعم"، إلا أن ما يشغلنا بالأكثر، هو الماهية التي سوف يطبق بها رؤيته في منطقتنا، في ظل ثوابت، لا يمكن التخلي عنها، تدور في الأساس حول الدعم الأمريكي لإسرائيل، خاصة وأن حديثه عن ضم الأراضي، قد يتحول إلى "سنة" دولية، إذا ما وضعنا في الاعتبار دعوات حكومة نتنياهو المشبوهة بتهجير الفلسطينيين من غزة، وفصل القطاع عن الضفة، ناهيك عن المستجدات المرتبطة بشن عملية عسكرية في الضفة الغربية، بعد قرار وقف إطلاق النار، وغيرها من المعطيات التي ينبغي أن توضع في حسبان صانعي القرار، عند قراءة الظروف الإقليمية، والدولية، المتزامنة مع صعود ترامب إلى البيت الأبيض.

وبالنظر إلى سوابق الرئيس ترامب، عندما كان في البيت الأبيض خلال ولايته الأولى، نجد أن ثمة قرارا تاريخيا، بالاعتراف بالقدس كعاصمة موحدة للدولة العبرية، في ديسمبر 2017، وهو ما يمثل جزءً لا يتجزأ من سياسات "الضم" والتي تخالف في جوهرها الشرعية الدولية، القائمة في الأساس على حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

وفي الواقع، نجاح ترامب في وقف إطلاق النار في غزة، قبل صعوده إلى البيت الأبيض، أعاد الكثير من النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، والمرتبط بالأساس بالقضية الفلسطينية، كما أن حديث مسؤوليه عن دعم الإدارة الجديدة لحل الدولتين، وهو مؤشر إيجابي لا يمكن تغافله، إلا أن الشيطان يكمن في التفاصيل، التي تدور حول جغرافية الدولة المنشودة، ومساحتها وإمكاناتها، وموقفه من المستوطنات التي تآكلت معها الضفة الغربية، وكذلك خطط بناء مستوطنات في غزة التي أطلقها مسؤولين بحكومة نتنياهو.

وهنا يمكننا القول بأن رؤية ترامب، حول "صناعة السلام" في العالم، تحمل العديد من المؤشرات الإيجابية، ولكنها في نفس الوقت تثير مخاوف، بالنظر إلى ثوابت أمريكا، من جانب، ومواقف الرجل السابقة من جانب آخر، خاصة فيما يتعلق بمنطقتنا، وهو ما يسلط الضوء حول أهمية بناء مواقف إقليمية موحدة، تقوم في الأساس على الانتصار للقضية المركزية للإقليم في الفترة المقبلة، في مواجهة نوعية جديدة من الصراع ذو الطبيعة الناعمة، وهو ما يعزز الحاجة إلى نهج دبلوماسي متوازن من شأنه توحيد الصف الإقليمي، وهو الأمر الذي يمكن تحقيقه، بعد النجاح المرحلي الذي ترجمته بنود اتفاق وقف إطلاق النار، والتي قوضت مخططات التهجير تارة، وأجبرت الاحتلال على الانسحاب من القطاع تارة أخرى، إلا أنه من المهم الالتفات أن هناك حلقات أخرى من مسلسل الصراع، ربما تحمل وجوها مختلفة.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة