يبقى تنصيب الرئيس الأمريكى دائما مشهدا لافتا، ينتظره العالم كله وليس فقط سكان الولايات المتحدة، وفى حالة دونالد ترامب يبدو المشهد بالفعل لافتا وكاشفا، ومعبرا عن تحولات فى السلطة بالعالم كله، بشكل يجعله حدثا يفرض نفسه على العالم، وخلال الانتخابات فى السنوات الأخيرة، هناك حملات واشتباكات تحول الانتخابات إلى حروب وصدامات وصراعات خاصة مع اتساع تأثير السوشيال ميديا بجانب الصحافة والإعلام التقليدى والرقمى، التى تضاعف من حجم وشكل الضجيج.
وبالرغم من ذلك فقد كان مشهد التنصيب لافتا، فى حضور أربعة رؤساء سابقين للولايات المتحدة، وحديث دائم عن تجربة الديمقراطية والدستور الذى يحترمه الجميع، ترامب بدا مزهوا بانتصار كبير، وعودة إلى البيت الأبيض، بالرغم من حروب وصراعات وخطوط ومعارك وعراقيل.
كانت انتخابات 2016 بين هيلارى كلينتون ودونالد ترامب الأعنف، وفاز فيها ترامب بعد أن واجه واحدة من أعنف حملات التلطيخ، من قبل حملة هيلارى والديمقراطيين، بل إن دونالد ترامب بعد فوزه فى انتخابات 2016، تعرض لحرب غير مسبوقة وصلت إلى اتهامات لروسيا بالتدخل لصالح ترامب، والذى قضى فترة رئاسية فى صراع ظاهر وأحيانا مستتر مع أطراف فى الدولة العميقة، وتواجه ترامب وجو بايدن، والذى فاز وسط تشكيك كبير من حملة ترامب، واتهامات بالتلاعب، والتشكيك فى النتائج واتهام أطراف بالتدخل لصالح الديمقراطيين وتزييف النتيجة والتلاعب فى عمليات التصويت بالبريد.
ولم يكن فارق بايدن عن ترامب كبيرا، فاز بايدن بـ81.3 مليون صوت أى نحو 51.3 % من الأصوات، مقابل 74.2 مليون صوت أى 46.8 % لترامب، وأعلن ترامب إصراره على خوض السباق واستعادة الرئاسة، واتهم بالتحريض على اقتحام الكونجرس، واستخدام العنف والتحريض على الديمقراطية الأمريكية، بينما اتهم خصومه بالتلاعب.
بدأ ترامب خاسرا وهو يخوض سباقا فى مواجهة آلة الدعاية المضادة التى أطلقتها قوى مختلفة، ومراكز قوية وظفت نفوذها الإعلامى ومدفعيتها ضد ترامب، وهو ما بدا فى غير صالحه، وبعد المناظرة الأولى مع جو بايدن تنحى الأخير تاركا نائبته كامالا هاريس فى منافسة ترامب، لتنتهى الانتخابات لصالح ترامب فى تجربة تحمل الكثير من التحدى، وإصرار كبير لدى دونالد ترامب، فى خوض المناظرات والانتخابات وسط اتهامات وجهتها إليه المحكمة، وبعد أن ابتعد عن السلطة واجه انحيازات وجهودا كبيرة من الإعلام والمؤسسات.
والواقع أن دونالد ترامب فاز بالرئاسة وسط تحد كبير، وحرب تواصلت ضده وهو فى البيت الأبيض، بالرغم من أنه كان متهما بأنه عنيف فقد كان له سوابق فى التقريب بين الكوريتين، وسحب القوات الأمريكية من مناطق النزاع، ولم يتورع عن مهاجمة ما ارتكبه سلفه الجمهورى جورج دبليو بوش بغزو العراق وتأثيرات الغزو على صناعة الإرهاب، وغير ذلك، بجانب سياسته المعادية للهجرة، وإعلان بناء سور مع المكسيك إلى آخر القائمة، وهو يعبر عن قطاع كبير فى الولايات المتحدة، وفى خطابه يقدم الكثير من الوعود، ربما منها ما قد يتصادم مع سياسات الديمقراطيين، ومنها ما يبدو عكس الاتجاه، من حيث كثرة حديثه عن السلام وإعادة قوة أمريكا الاقتصادية.
ترامب قدم خطابا ساخنا فيه وعود سلام ووعود صدام، عن إعادة العصر الذهبى لأمريكا وإنهاء استخدام وزارة العدل والحكومة كأسلحة.واتهم إدارة سلفه جو بايدن بأنها إدارة متطرفة وفاسدة انتزعت السلطة والثروة من المواطنين، وقال إنه سيعيد وحدة أمريكا بديلا عن الانقسام، وأطلق على قراراته العاجلة اسم «ثورة الفطرة السليمة»، والالتزام بالدستور وحماية الحدود، مع وعد بهزيمة التضخم، وصناعة السيارات بأمريكا، وعدم فرض الضرائب على الأمريكان لإثراء دول أخرى، مع إعلانه عن استعادة قناة بنما أو استخدام النفط الأمريكى، وبالطبع فإن ترامب معادٍ لاتفاقيات المناخ، ولإجراءات الجنسية بالولادة، ووعد بتغييرات، وسارع بقرارات أطلق فيها سراح عدد من مناصريه المتهمين فى اقتحام الكونجرس، وخفف الأحكام عن بعضهم.
ترامب يتحدث عن إحلال السلام، واحتواء المنافسين، وفرض رسوم حماية للمنتجات الأمريكية، وفى مكالمة مع الرئيس الصينى شى جين بينج، قبل التنصيب، تحدثا عن تفاهم واستعداد للحوار، وبالفعل أجّل ترامب قرار حظر تيك توك.
كل هذا يشير إلى أن العالم بدأ حقبة جديدة، تحمل كثيرا من الوعود، وبعض الأمل والكثير من المخاوف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة