تُعد الهندسة الاجتماعية منهجًا شاملاً للتأثير على سلوكيات الأفراد والمجتمعات؛ بهدف إحداث تغيير إيجابي وبناء مجتمع متكامل يتحلى بالقيم الإنسانية العالية؛ فهي أداة فاعلة لبناء الإنسان، الذي يعد حجر الأساس في تحقيق التنمية المستدامة وصناعة مستقبل أفضل وتسعى الهندسة الاجتماعية إلى إعادة تشكيل البنى الاجتماعية والفكرية لإعداد مواطنين يمتلكون القيم والمهارات اللازمة التي تسهم بصورة إيجابية في بناء مجتمع متماسك ومتقدم.
وتعتمد منهجية الهندسة على العلوم الإنسانية والاجتماعية؛ لتوجيه التغيير السلوكي والثقافي بطريقة معلومة ومخططة ومدروسة؛ فهي ليست مجرد تنظير يذكر، بل هي فن لتشكيل الإنسان الذي نصفه بأنه المواطن الصالح الذي يلبي احتياجات المجتمع ويحرص على التمسك بقيمه ويعمل على تحقيق التوازن بين الأصالة والمعاصرة، كما تسهم الهندسة الاجتماعية في توفير بيئة تُشجع على الابتكار والتعاون، مما يؤدي إلى تأكيد التماسك الاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة.
وتستخدم الهندسة الاجتماعية استراتيجيات تربوية وثقافية واقتصادية بهدف إعادة تشكيل القيم، والمفاهيم، والسلوكيات المجتمعية؛ بما يحقق التوافق مع الأهداف التنموية للدولة التي تسعى إلى تحويل ساحة المجتمع إلى بيئة منتجة وداعمة تعزز من قدرات الأفراد، وتسهم في بناء الهوية الوطنية التي توصف بالقوية.
وتُشير الهندسة الاجتماعية إلى الجهود المنظمة التي تسعى إلى تعديل الأنماط السلوكية والفكرية للأفراد والجماعات من خلال التعليم، الذي يعد الوسيلة الأساسية لتشكيل العقول وتنمية المهارات ونشر القيم والمفاهيم الإيجابية، وتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع؛ ومن ثم تحرص عبر آلياتها واستراتيجياتها إلى تشكيل إنسان متكامل.
وتنمية الوعي المجتمعي أحد الغايات الرئيسة للهندسة الاجتماعية؛ فمن خلالها يسهل تعزيز القيم الإنسانية مثل التسامح، والتعاون والانفتاح على الآخر، كما تركز على تنمية مهارات التفكير العليا، ومنها التفكير النقدي والتأملي وحل المشكلات، بهدف تكوين مواطنين فعّالين قادرين على الإسهام في نهضة أوطانهم وتأكيد روح الولاء والانتماء لديهم، وتشجيعهم على المشاركة في الشؤون العامة والعمل التطوعي وتنمية ثقافة الالتزام بالقوانين واللوائح، مما يسهم في تحقيق الاستقرار المجتمعي.
ويعد التعليم حجر الزاوية في بناء الإنسان؛ ومن ثم بناء المجتمع، إذ يُمثل أداة أساسية لتمكين الأفراد من تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم وطموحاتهم ويسهم في تطوير مجتمعاتهم، ويتطلب هذا الدور المركزي للتعليم عملية تطوير شاملة للمناهج التعليمية، بحيث تصبح أكثر اتساعًا وشمولًا؛ لتتضمن المهارات الحياتية، ومهارات التفكير العليا، وإعداد الطلاب لمواجهة تحديات الحياة العملية.
ويعمل التعليم على تأهيل الفرد لسوق العمل المتغير، ودمج القيم الأخلاقية والإنسانية، وهذا ما يشكل الأساس الذي يُبنى عليه المجتمع القوي، ويشمل ذلك أيضا قيم المواطنة، والتسامح، والاحترام، والعمل الجماعي، والمسؤولية، والعدالة الاجتماعية ومحاربة التطرف ونشر ثقافة الحوار خاصة مع الأخر كأساس للتعايش بين الأفراد وركائز للتعاون المجتمعي.
وجديُر بالذكر أن الأسرة لها دور واضح في العمل على تشكيل السلوك المرغوب فيه من الفرد والذي نطلق عليه السلوك الإيجابي؛ حيث إنها النواة الأولى في الهندسة الاجتماعية، وهنا نتحدث على أن التغيير بدى واضحًا من الداخل لينعكس على المجتمع ككل، ومن خلال ذلك يمكن للتعليم أن يستكمل مهمة إعداد أجيال قادرة على مواجهة التحديات المعاصرة، والمشاركة بفعالية في بناء مستقبل مشرق ومستدام.
كما يُسهم التمسك بمبادئ الهندسة الاجتماعية في تنمية الوعي بالقيم الصحيحة وهذا استثمارًا في المستقبل؛ حيث تُشكل هذه القيم ركيزة أساسية لتمكين الأفراد وخاصة الشباب في جميع المجالات، وهنا يمكننا القول بأن الهندسة الاجتماعية بمثابة دعوة للاستثمار في الإنسان باعتباره العنصر الأساسي في بناء الحاضر والمستقبل.
ويُعد دعم الأفراد نفسيًا واجتماعيًا أحد متطلبات الهندسة الاجتماعية وذلك من خلال برامج موجهة تهدف إلى تقليل الضغوط وتعزيز الثقة بالنفس، بما يضمن تكوين أفراد قادرين على مواجهة التحديات، وتشجيعهم على النشاط البدني والاهتمام بالصحة العامة كجزء لا يتجزأ من جاهزية الأفراد للقيام بمهامهم؛ فالصحة الشاملة أساس للنجاح المستدام.
ومن ثمرات الهندسة الاجتماعية أنها تضع أساسًا قويًا يجعل المجتمع من أن يتبوأ مكانة ريادية على المستويين الإقليمي والدولي، ومن ثم تُصبح الهندسة الاجتماعية جزءًا لا يتجزأ من السياسات العامة، بما يحقق نهضة شاملة تؤسس لبناء مجتمع قوي ومزدهر، يواجه تحديات المستقبل، كما تحقق الاستقرار والرفاهية للمجتمع، لتصبح قوية ومرنة أمام التحديات الكبرى.
وتضمن الهندسة الاجتماعية استمرارية النجاح عبر الأجيال؛ إذ تعمل على توفير بيئة تشجعهم على تطوير مهاراتهم واستثمار إمكانياتهم لتحقيق النجاح ومواجهة التحديات؛ فعندما يصبح الأفراد واعين بأهمية القيم الصحيحة ويلتزمون بتطبيقها في حياتهم، يؤدي ذلك إلى قيام كل فرد بدوره في الارتقاء بالدولة عبر العمل الجاد والالتزام بالقيم.
ونُؤكد إننا في حاجة ماسة إلى الهندسة الاجتماعية كي تستثمر طاقات المجتمع، ويتم توجيهها نحو بناء مستقبل يليق بتطلعاتنا وغايات وطننا الكبرى، وهذا الاستثمار يتطلب تخطيطًا واعيًا وبرامج تدريبية وعمليات تعليمية مقصودة تركز على تطوير الإنسان بشكل شامل، والوصول إلى العقول والأذهان وبرامج توعوية شاملة تركز على القيم الصحيحة وحب الوطن.
__________
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة