بيشوى رمزى

مصر وفلسطين.. وإعادة هيكلة الرؤية الدولية للقضية

الثلاثاء، 21 يناير 2025 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ربما كانت البنية الأساسية أحد أهم الأسس التي قامت عليها الرؤية المصرية في مرحلة بناء "الجمهورية الجديدة"، وهو ما يبدو في المشاريع العملاقة، ولكن سبقتها، أو ربما تزامن معها البعد الأمني، عبر حرب شاملة على الإرهاب، تجلت في ملاحقة الميليشيات المتطرفة، بينما أطلقت معها حملات فكرية، هدفها تنقية الأفكار، التي طالما شوهتها جماعات الظلام، ليس فقط في عقول الشباب في الداخل، وإنما امتدت إلى العديد من دول العالم، والتي ساهمت بصورة كبيرة في تأجيج حالة من العداء تجاه العرب، والمسلمين في العديد من الدول الغربية، وهو ما نجحت فيه الدولة، في إطار حالة تنموية مستدامة، ساهمت في تعديل المسار بصورة كبيرة، بعدما كانت البلاد على حافة الهاوية جراء ما يسمى بـ"الربيع العربي"

التجربة المصرية تبدو كانت منهجا لإدارة الدولة للأزمة التي شهدها قطاع غزة، والتي توسعت جغرافيا لتشمل مناطق أخرى في الإقليم، عبر العديد من الخطوات المتلاحقة، والتي بدأت مع اندلاع العدوان على قطاع غزة، عبر مسارات متلاحقة، ربما كان أبرزها تهيئة البيئة الدولية لتكون أكثر إنصافا، وهو ما بدا واضحا في التركيز على القضية الفلسطينية، وإضفاء الحماية على "حل الدولتين"، والذي يمثل الأساس الذي تقوم عليه الشرعية الدولية، وهو ما يتطلب إعادة هيكلة الأفكار النمطية، التي طالما اعتمدها المعسكر الداعم للدولة العبرية، وأبرزها "مظلومية" إسرائيل، والتي غالبا ما كانت دافعا لتبرير انتهاكات وحشية ارتكبها الاحتلال في مشاهد سابقة، منذ نشأته في الأربعينات من القرن الماضي.


ولعل الحديث عن المظلومية، كان الدافع الأكبر لذريعة "الدفاع عن النفس"، والتي كانت المبرر الأول للهجمات الوحشية التي أطلقها الاحتلال على غزة، في بداية العدوان، إلا أن الأمور سرعان ما تغيرت عبر العديد من الخطوات، بدأت من القاهرة، عندما حشدت العالم، لتحقيق التوافق حول ضرورة الحفاظ على الشرعية الدولية، وعدم السماح بتقويضها عبر تصفية القضية، من خلال دعوات التهجير، وفصل القطاع عن الضفة، وغيرها من الدعوات المشبوهة، بينما انتهجت مسارات أخرى، عبر العديد من الشراكات، منها الوساطة، بالشراكة مع دولة قطر، واللجوء إلى القضاء الدولي، بالشراكة مع جنوب أفريقيا، وهو ما كشف للعالم حقيقة تغافل عنها لعقود، وهي أن التهديد الحقيقي لأمن إسرائيل هو قادتها وسياساتهم، في ظل إصرارهم على استمرار الاحتلال وعدم الشروع في اتخاذ خطوات جدية نحو حل الدولتين.


بينما قام المسار الثاني على البعد الأمني، عبر العمل على وقف إطلاق النار في غزة، وهو ما لعبت فيه الإدارة المصرية، الدور الرئيسي، خاصة وأن الاتفاق جاء وفقا للرؤية التي تبنتها القاهرة منذ اليوم الأول للعدوان، فيما يتعلق بالتهجير، في إطار إعادة سكان شمال غزة إلى مناطقهم، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، وحرمان الدولة العبرية من بناء المستوطنات في تلك الرقعة الجغرافية.


الرؤية المصرية اعتمدت مسارا أمنيا، جنبا إلى جنب مع المسار الفكري، في معركتها الدبلوماسية ضد الاحتلال، يقوم على تبريد المنطقة، مع تغيير الثوابت النمطية، التي طالما اعتمدها العالم في إطار معالجة الصراع العربي الإسرائيلي منذ بداية اندلاعه، وهو ما أتى بثماره في عز الأزمة، عندما أعلنت دولا أوروبية معتبرة ومحسوبة على المعسكر الداعم لإسرائيل، وعلى رأسها إسبانيا، الاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما يمثل أحد أهم الصفعات التي تلقاها بنيامين نتنياهو وحكومته، حيث كتبت تلك الاعترافات، شهادة فشل مبكرة، لخطط الدولة العبرية.


فشل رهانات نتنياهو، تمثل بصورة كبيرة، جزءً لا يتجزأ من تغيير كبيرة باتت تشهده البيئة الدولية، في إطار إعادة تهيئتها، لتكون أكثر إنصافا في مواجهة الاحتلال، والذي تمتع لعقود باختلال الموازين وحالة الازدواجية التي شهدتها المعايير الدولية لعقود طويلة من الزمن، حيث بات مكشوفا أمام العالم، وهو ما بدا في ضغوط الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب على حكومة تل أبيب للرضوخ إلى نداء العقل والاستجابة إلى وقف إطلاق النار، بعد شهور طويلة من التعنت، وهو ما يعكس خسارة رهان آخر، سعى إليه نتنياهو، خلال خطابه أمام الكونجرس لتعزيز حالة الانقسام في الداخل الأمريكي، لخدمة أهداف المرشح الجمهوري آنذاك، على حساب نائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس، والتي خاضت انتخابات الرئاسة عن الحزب الديمقراطي.


موقف ترامب، وإن كان لن يخل بثوابت واشنطن الداعمة لإسرائيل، تبقى مؤشرا مهما للمزيد من التوازن، في ظل رغبة الرجل العارمة، في تحقيق إنجاز تاريخي مهم، وهو ما يمثل نقطة فارقة في إطار تعزيز البيئة الدولية، نحو المزيد من الإنصاف لصالح القضية، في لحظة تبدو مهمة، مع وصول رئيس أمريكي جديد إلى البيت الأبيض.


وهنا يمكننا القول بأن النهج المصري اعتمد في الأساس على بناء "بنية دولية" جديدة، تقوم في الأساس على إصلاح الرؤية الدولية، جنبا إلى جنبا مع بعد أمني يقوم في الأساس على تحقيق الاستقرار الإقليمي عبر اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو إنهاء حالة الصراع، عبر التفاوض الجاد على تحقيق الشرعية الدولية القائمة في الأساس على حل الدولتين، وهو الأمر الذي بدأته مصر في نطاقها الإقليمي، عبر شراكات ساهمت في تبريد العديد من الصراعات الإقليمية بين القوى المتنافسة خلال السنوات الماضية، وهو ما يمثل فرصة مواتية ومهمة، يمكن استغلال الزخم الناجم عنها للانتصار للقضية.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة