يتزايد يوما بعد يوم تأثير الإعلام بدرجة كبيرة في صناعة الأزمات أو حلها، وهو الأمر الذي يحتاج إلى التمعن في تفعيل دوره الايجابي كوسيلة لحل الأزمات وليس في صنعها، ويتحدد دور الإعلام في ادارة الازمة في ضوء عدة معطيات حيث أنه يتميز بالكثافة والغزارة وحدة المنافسة ، وقد اتاح التطور التكنولوجي في مجاال الإعلام للفرد أن يحدد خياراته، وأن ينتقي بإرادته الحرة بعضاً من الكل، ولم يعد بالتالي محاصراً بوسائل إعلام وطنية أو إقيليمية أو دولية محددة .
كما تولد الأزمة الإحساس بنوع من التوجس والقلق والحاجة إلي الشعور بالأمن وتزداد الحاجة إلي المعرفة، لذا تزداد الحاجة إلى وسائل الإعلام في وقت الأزمات .
ويزداد الإعلام المعاصر التحاما بالقوى الفاعلة في المجتمع.
ويلعب الإعلام بوسائله التقليدية والمعاصرة دوراً بارزاً في إحداث التحولات السياسية والإجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أدى التطور الكبير في الممارسة الإعلامية علي المستويين المهني والتقني إلي ازدياد أهمية دور الإعلام وخاصة في أوقات الأزمات والمراحل الحرجة المرتبطة بالتغيرات في أنظمة الحكم وتهيئة الجمهور للتحولات السياسية الجديدة ومع انتشار التقنيات الحديثة للاتصال ، وتزايد تطبيقاتها في مجال الإعلام، بدأت تتغير معالم صناعة المضامين الإعلامية سواء من حيث طبيعة المساهمين فيها أو من حيث اشكالها ، او الوسائل التي يتم الاعتماد عليها في توصيل هذه المضامين ، وفي هذا السياق الجديد بدأ الجمهور المستخدم يلعب دورا محوريا في العمل الاعلامي ، حيث لم يعد متلقياً فقط ، بل منتجاً ومشاركاً ، وسعت وسائل الاعلام الي تمكين الجمهور إعلامياً ، علي اعتبار ان ذلك سوف يساعدها في الاحتفاظ به، ويدعم مكانتها المعنوية وامكانياتها الاقتصادية ، ويثري مضامينها ، كما يتلاءم مع طبيعة التطورات الحديثة في صناعة الإعلام، ويمكنها من استيعاب الانواع الصحفية الجديدة في إطارها دون ان تشكل منافساً جديداً لها.
ولذلك فإن التناول الإعلامي للازمات يجب ان يمر بثلاث مراحل رئيسية ، ويلعب الإعلام دوراً محدداً في كل مرحلة علي حدا ، هذه المراحل هي كالآتي : مرحلة نشر المعلومات : في بداية الأزمة ليواكب الإعلام رغبة الجماهير في مزيد من المعرفة ، واستجلاء الموقف عن الأزمة ذاتها ، وآثارها وابعادها .
ومرحلة تفسير المعلومات : وتقوم وسائل الإعلام في هذه المرحلة بتحليل عناصر الأزمة ، والبحث في جذورها وأسبابها ، ومقارنتها بأزمات أخري مماثلة ، وذلك عن طريق استجلاء الحقائق وتوضيحها سواء باستخدام مواد توضيحية أو من تحليلات وآراء للخبراء ، وكذلك لموقف المسئولين وصانعي القرار تجاه الأزمة .
ثم المرحلة الوقائية : وهي مرحلة ما بعد الأزمة وانحسارها ، حيث لا يتوقف دور وسائل الإعلام علي مجرد تفسير الازمة والتعامل مع عناصرها ، بل يجب ان يتخطي الدور الإعلامي هذا البعد لتقدم وسائل الإعلام للجماهير طرق الوقاية ، وأسلوب التعامل مع أزمات مشابهة .
وتشير الدراسات العلمية التي تناولت " دور الإعلام في إدارة الازمات " إلي ان للإعلام مهمة مزدوجة – أي ذات جانبين – في إدارة الأزمة وهما :
جانب إخباري: يتم عن طريق متابعة اخبار الأزمة، والتعرف بنتائج مواجهتها ومحاولات التصددي لها ، ومدي التطور أو مدي النجاح في ذلك .
وجانب توجيهي : وهذا الجانب اهم وأخطر الجوانب في العملية الإعلامية ، فمتخذ القرار في الكيان الإداري يكون في حاجة ماسة إلي دعم وتأييد كافة القوي المحيطة بالأزمة ، ومن خلال المعرفة المخططة جيداً أو التأثير الإيجابي علي تشكيل ثقافة الفرد والمجتمع وتنمية الإدراك بخطورة وأبعاد الأزمة ، تتكون لدي افراد المجتمع قناعة محددة تدفعهم إلي القيام بسلوك معين.
وتتعدد الاستراتيجيات الإعلامية في مواجهة الأزمات
فقد اتفقت الأديبات العلمية في مجال الإدارة الإعلامية للازمات ، علي تحديد بعض الاستراتيجيات الإعلامية التي تستخدم في مواجهة الازمات ، وهي علي النحو التالي :
أستراتيجية الكتمان والتحفظ : "" وتقوم هذه الاستراتيجية علي رصد محاولات الأطراف الخارجية للحصول علي المعلومات .
وأستراتيجيات القانونية :" وتقوم المعالجة الإعلامية فيها علي الأستعانة بأراء الخبراء والمستشارين القانونيين للدولة ، وتتمثل في ذكر أقل معلومات ، وإنكار الاتهامات الموجهه للدولة لتحويل المسئولية لجهة اخري .
ثم استراتيجية الأستجابة والدفاع : " " وتقوم هذه الاستراتيجية علي إعداد دفاع يتضمن معلومات حقيقية يقوم به المتحدث الرسمي للدولة بالأستعانة بآراء وخبرات كافة المستشارين المعنيون بالأزمة .
واستراتيجية الدفاع الهجومي : " " وفيها تقوم وسائل الاعلام باستغلال الازمة لخلق رأي العام إيجابي يساند الدولة وموقفها وطريقة إدارتها للأزمة .
ومما سبق يتضح ان هناك ثمة نوعان من المعالجات الإعلامية للأزمات وخاصة أوقات الأزمات السياسية يمكن تحديهما في الآتي:
المعالجة المثيرة : وتستخدم تغطية تميل إلي التهويل والمعالجة السطحية والتي ينتهي اهتمامها بالأزمة بانتهاء الحدث ، وهي معالجة مبتورة تؤدي إلي التضليل وإلي تشويه وعي الجمهور .
والمعالجة المتكاملة : وهي التي تتعرض للجوانب المختلفة للأزمة ( مواقف الأطراف المعينة ، الأسباب ، التطورات ، الأفاق ) وتتسم هذه المعالجة بالعمق والشمولية والمتابعة الدقيقة ، وتستخدم من أجل تحقيق ذلك أحد الاسلوبيين الآتيين :النمط العقلي الذي يقوم علي أساس تقديم المعلومات الصحيحة والموثقة ، والأنطلاق من المستوي الواقعي لوعي الجماهير ، وربط المعالجة بمصالح واهتمامات الجماهير والنمط الذي يقدم صورة كاملة تتسم بالوضوح والأتساق والشمولية لمختلف جوانب الازمة ، وتقديم تاري وسياق الازمة وكذلك تقديم آفاق تطورها وهي تراعي في ذلك كله المستويات المختلفة للجمهور ، والاعتماد علي كوادر الإعلامية مؤهلة ومعروفة .
وبذلك يتعاظم دور الإعلام في ظل الأزمات الدولية والصراعات الإقليمية والحروب وأحداث العنف المختلفة،حيث إن لوسائل الإعلام دورًا كبيرًا في وقت الأزمات على مختلف أنواعها وتعدد مجالاتها ومستوياتها؛ حيث يستطيع الإعلام أن يعالج الأزمة ويتناولها بصورة موضوعية تأخذ في الحسبان أبعادها المختلفة سعيًا للحل بما يؤدي إلى انتهائها وتجاوزها في أسرع وقت ممكن، وفي المقابل يستطيع الإعلام - عبر بعض الممارسات - أن يزيد من حالة التوتر والاحتقان بين طرفي/أطراف الأزمة؛ وبالتالي استمرار الأزمة وتفاقم المشكلات الناتجة عنها، وهنا تأتي الدعوة ملحة الي زيادة إهتمام وسائل الإعلام المختلفة وأكاديميات الإعلام بدعم العلاقة الايجابية بين الإعلام وادارة الأزمات .
فما أحوجنا الآن إلى إعلام واع يعالج الأزمة ويقلل من حدوثها، وليس إعلام غير رشيد يدفع في اتجاه استمرار الأزمة وتغذيتها
وتقويض المجتمع لا قدر الله .
نحتاج إعلام مهني واعي ومسئول يبني ويصلح يساعد في الحلول وإدارة الأزمات من أجل بناء وتنمية الوطن .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة