رغم أن شخصية دونالد ترامب تثير الجدل وغير تقليدى دائما، اللافت أن هناك ترحابا بقدومه.. وأعتقد أن هذا الترحاب والارتياح، ينطلق من رؤيته التى تتبنى سياسة عدم التدخل والنزعة القومية، والاعتماد على التعاملات التجارية، والمصلحة الذاتية، وبالتالي الميل إلى التفاوض وعقد الصفقات.
وخير مثال، قدرته فى الضغط على نتنياهو لإبرام صفقة تبادل الأسرى، ووقف إطلاق النار بغزة، حيث توقع الكثير إلى أن توجهه مستقبلا سيكون نحو عقد الصفقات مع دول الخليج العربي على صنع السلام، رغم أنه عامل الفلسطينيين بازدراء وقطع المساعدات عنهم، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس في ولايته الأولى.. والتخوف من مساعدة إسرائيل في ضم الضفة في الولاية الثانية.
الأمر الآخر، والذى اتضح جليا خلال خطاب التنصيب، أن ترامب يوظف القوة العسكرية في الوصول إلى التفاوض، ونموذجا على ذلك، الحديث عن استخدام القوة العسكرية للاستيلاء على جرينلاند، التي يوجد لأمريكا فيها قاعدة جوية، وقناة بنما، وكذلك استخدام الضغوط الاقتصادية لضم كندا الى الولايات المتحدة.
واللافت أيضا أن ترامب لم يبد اهتماما باعتبارات القانون الدولى، لذا، هناك حالة من عدم اليقين بشأن تحقيق هذه التصريحات وتنفيذ التهديدات وتطبيق الأوامر التنفيذية وذلك من باب التكتيكات التي تسبق المفاوضات، رغم أن مثل هذه التصريحات تزيد من مشاعر العداء للولايات المتحدة، لكنها تحقق ارتياحا لدول أخرى مثل الصين وروسيا، فالصين لا تخفي رغبتها باستعادة السيطرة على جزيرة تايوان، وروسيا تريد استعادة السيطرة على الأراضي التي كانت تحت سلطة الامبراطورية الروسية.
لذا، ركز خطاب التنصيب على مصلحة أمريكا الداخلية دون التطرق إلى التزاماتها الدولية، فلم يتحدث عن مسؤولية واشنطن كدولة عظمى، وعندما تطرق للموضوعات الدولية، انسحب من اتفاقيات بيئية، مثل اتفاق باريس للمناخ، لذلك فإن خطابه اتسم بنبرة انفرادية ورأسمالية حادة.
وأيا كان الأمر.. فإن خطاب تنصيب ترامب حمل معانٍ كثيرة، وكأن أبرزها وأهمها، الحديث عن وضع حد لكل الحروب، وأن القوات المسلحة ستركز على مهمتها الوحيدة، وهي إلحاق الهزيمة بأعداء أمريكا، وسيتم وقف الحروب وجلب روحا جديدة من الوحدة إلى عالم كان غاضبا وعنيفا وغير قابل للتنبؤ تماما، وأنه سيعطي توجيهات إلى حكام الولايات لمواجهة أزمة التضخم المتفاقمة وسيعلن حالة طوارئ خاصة بالوقود، وأن أمركا ستكون أمة مصنِّعة مرة أخرى وامتلاك أكبر قدر من النفط والغاز وسنُخفِّض الأسعار وسنصدر طاقتنا إلى العالم، وأنه سيتم الانسحاب من اتفاق باريس للمُناخ.، وفرض تعريفة جمركية وضرائب على منتجات الدول الأجنبية، والعمل على استعادة قناة بنما، وإرسال آلاف من القوات إلى الحدود لوقف تدفق المجرمين والتعامل مع عناصر العصابات على أنهم إرهابيون، وسيتم تغيير اسم خليج المكسيك ليصبح خليج أمريكا، ورفع العلم الأمريكي على كوكب المريخ، ولن يكون هناك جنسين فقط ذكور وإناث، وأنه أنقذه الله من أجل أن أجعل من أمريكا أمة عظيمة.
وأخيرا، يبقى السؤال المطروح وبقوة وبعد خطاب التنصيب، هل مجبئ ترامب يزج العالم في حقبة فوضى غير مسبوقة، أم سيخلق حالة من الاستقرار بعد أن أشعل جو بايدن بؤر الصراع حول العالم وجعل العالم كله على برميل من البارود قابل للاشتعال..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة