مع بداية حرب الإبادة الإسرائيلية فى غزة، وتنفيذ خطة التهجير نحو رفح الفلسطينية إمعانا لإجبار الفلسطينيين على دخول سيناء، خرجت الجماعات والتنظيمات، بجانب المتدثرين بعباءة اليسار ورافعى شعار القومية العربية فى حملة ضجيج تطالب الإدارة المصرية بضرورة فتح المعابر، وإدخال الأشقاء لسيناء، وأطلقوا رصاص نقدهم الحارق للحكومة المصرية، واتهامها بالخذلان، إلا أن الدولة المصرية كانت سباقة فى قراءة المشهد مبكرا، وإدراك عن يقين أن هناك مؤامرة إسرائيلية تُدار وتُدبر لتهجير أهل غزة إمعانا فى تصفية القضية الفلسطينية، ودفنها تحت الأنقاض للأبد.
الدولة المصرية، تحملت آلام النقد الهدام والاتهامات الباطلة التى تنوء عن حملها الجبال، واستمرت فى نهجها بضرورة أن يتشبث الأشقاء بالأرض، فى الوقت الذى سخرت فيه كل جهودها لإحباط المخططات الإسرائيلية، بالدبلوماسية الخشنة، وعشرات اللاءات، تارة، وتوظيف قوتها الناعمة، تارة أخرى.
وبعد مرو عام ونيف من الحرب الوقحة، خرج علينا صاحب خبطة كشف فضيحة «ووتر جيت» الصحفى الأمريكى «بوب ودورد» بإصدار كتابه المعنون بـ«الحرب»، ذكر فيه نص الحوار الذى دار بين وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن» ورئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو»، على أثر السؤال الذى وجهه بلينكن لنتنياهو، عما سوف يفعله إزاء الفلسطينيين فى غزة بعد السيطرة عليها كاملة، وكانت الإجابة أن إسرائيل ستشكل ممرا آمنا يصل بين غزة وسيناء، يندفع الفلسطينيون إلى هناك، ومن ثم دخول سيناء.
ما ذكره الصحفى الاستقصائى الأمريكى الشهير، يؤكد قراءة الدولة المصرية للمشهد مبكرا للغاية، وتمسكها بموقفها الحازم الحاسم بعدم فتح المعابر، حفاظا على القضية الفلسطينية، ومنع تصفيتها، وإحباط مخطط التهجير القسرى، وهنا تتبين مواقف مصر الشريفة الداعمة للأشقاء، وترسخ أنها عمود الخيمة القوى لأمتها، وأن التاريخ، قديما وحديثا ومعاصرا، ينصفها ويعيد لها حقوقها.
مصر «وطن» الأفعال، ساندت القضية الفلسطينية منذ ظهور العصابات الصهيونية، بالغالى والنفيس، ومنذ 7 أكتوبر 2023 وحتى كتابة هذه السطور، تبذل جهودا مضنية، وتمارس الدبلوماسية بكل أشكالها، الخشنة والغاضبة والناعمة، فقد دعت لمؤتمر دولى، مع بدء الحرب، حملت فيه لواء الحشد العالمى لتصحيح الصورة المغلوطة والتى روجت لها الآلة الإعلامية الإسرائيلية عن أحداث 7 أكتوبر لانتزاع تعاطف دولى غير مسبوق، ونجحت مصر فعليا فى تصحيح الصورة، وما أفسدته الخطط والقرارات غير المدروسة، ودون تنسيق مسبق، وعدم تحديد الأولويات والأهداف، ودون معرفة حقيقية لمن هو الناصح الأمين، صاحب الموقف الواضح الشريف.
مصر وخلال قمة «القاهرة للسلام» التى دعت له ووجهت الدعوة لمعظم دول العالم للمشاركة، وانطلقت فعالياتها يوم 21 أكتوبر 2023 أى بعد قرار إسرائيل بقصف غزة بأيام قليلة، دشنت عشرات اللاءات فى وجوه كل زعماء الدول الكبرى، أمريكا وأوروبا بشكل خاص، وباقى العالم، بشكل عام، وبدأتها بـ«لا لتصفية القضية الفلسطينية، ولا للتهجير القسرى، ولا لأى حل على حساب مصر والأردن، ولا لاحتلال غزة، ولا لوجود الناتو على الأراضى الفلسطينية، ولا بديل سوى حل الدولتين»، وغيرها من اللاءات.
ثم بذلت جهودا مضنية واصلت فيه الليل بالنهار، للتوصل إلى اتفاق وقف النار، وفق اقتراح قدمته فى السابع والعشرين من مايو الماضى، والقائم على حل الدولتين، ورفض التهجير، وحقن دماء الفلسطينيين، والحفاظ على أرواحهم، والعمل على تقريب وجهات النظر بين المكون الفلسطينى، وتوحيد كلمتهم، ثم وظفت ثقلها الإقليمى والدولى، وسياستها الواضحة الشريفة وسمعتها ووعودها الصادقة، إقليميا ودوليا، للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وقد نجحت فى ذلك.
مصر تبذل جهودا مضنية من أجل الفلسطينيين، وتدفع ثمنا باهظا لمواقفها الشريفة، و«لاءاتها» المستمرة، دون انتظار مقابل، ورغم تلقيها كل طعنات التشكيك والتسخيف، من جماعة خائنة هنا، وتنظيمات وقحة هناك، وكتائب وذباب إلكترونى من كل حدب وصوب، تبقى سجلات التاريخ منصفة وتدون مواقف مصر بأحرف من نور وأنها دولة شريفة مخلصة، أقوالها فى الخفاء هى ذاتها فى العلن، وأنها وطن الأفعال والأقوال معا، وستظل عمود الخيمة لأمتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة