أكرم القصاص

الاستراتيجية والتكتيك و«التخوين».. مفارقات الهزيمة والانتصار فى غزة!

الإثنين، 20 يناير 2025 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مع بدء تطبيق وقف الحرب فى غزة، أو بمعنى أصح وقف العدوان على غزة، تتواصل مناقشات وأنواع من الجدل العقيم، بين بعض المحسوبين على النخب المصرية والعربية، والفلسطينية، التى تنقل النقاش إلى مناطق بعيدة عما يفترض أن تتجه إليه، بجانب غياب  القدرة على تحليل ما يجرى بشكل واقعى يتناسب مع أولويات مرحلة صعبة.

المفارقة أن الاحتلال يشهد انقسامات بالفعل بين أطراف متطرفة ترفض الاتفاق، وأخرى تدعمه وترى كفاية ما تم من تدمير لحماس أو الفصائل، بشكل يمنعها على مدى سنوات من استعادة قدراتها، وبما يعنى أن هناك بالفعل تنوعا فى الاتجاهات والآراء داخل إسرائيل، يسمح حتى بتوجيه انتقادات لرئيس الحكومة، بشكل علنى، وفى المقابل هذا التنوع فى الاحتلال، والمفارقة أن إسرائيل بالرغم من كل هذا الدمار، لغزة، هناك أطراف داخل التحالف المتطرف ترى أن الاتفاق هزيمة، بينما لدينا خبراء يرون مع كل هذا الدمار فى غزة انتصارا، بل إنهم يتهمون كل من يرى المأساة والدمار بالخيانة، والواقع أن التخوين والاستقطاب سمة رئيسية من سمات العمل العربى تجاه القضية الفلسطينية، فى الوقت الذى يؤدى الاستقطاب إلى تغييب القدرة على وزن الأمور والتعامل بعقل مع القضية الأخطر، بل إن الشعارات دائما كانت عنوانا لفشل متكرر وغياب للتفرقة بين التكتيك وبين العمل أو الاستراتيجية.

نحن أمام مفارقات بالفعل، منها أن الاحتلال ونتنياهو يروجون لكون إسرائيل بكل هذه الحرب العدوانية تدافع عن نفسها، وتزعم أنها تحارب وحدها على جبهات معادية، فى المقابل فإن الطرف الذى يرى الدمار والهدم الذى أكل أكثر من نصف غزة، هؤلاء يتمسكون بأن انتصارات تحققت، ولا يسمحون أحدا بالسؤال عن حجم وكم الدمار فى غزة، الذى تجاوز النصف بجانب نحو 47 ألف شهيد أغلب من نصفهم أطفال والباقى نساء وشيوخ.. ومن هنا فإن المعروف دائما فى الكفاح أن المقاومة مشروعة من الشعب فى مواجهة الاحتلال، وأن المقاومة عندما تكون هناك فروق واسعة فى حجم القوة، تكون المسارات السياسية لها مكان مهم، وبالتالى لا يوجد تناقض، وإنما من المهم تحديد الأولويات، وفى حالة مثل طوفان الأقصى، ظهرت فى خلفيتها أطراف إقليمية مثل إيران قبل أن تتراجع وتترك المقاومة وحيدة بلا غطاء.

وقد أسقطت هذه الحرب أقنعة كثيرة عن أطراف إقليمية كانت تزعم دعم القضية بينما كان الهدف استعمالها كورقة فى لعبة إقليمية ودولية خطرة، ثم إن عملية 7 أكتوبر منحت نتنياهو حجة لشن حرب إبادة غير مسبوقة، بل ومخططات التهجير، التى كانت مصر أول من انتبه وتصدى لها بحسم منذ اللحظات الأولى، بل وكشفت عن تحالف لافت بين الاحتلال الإسرائيلى الذى كان يضغط على سكان غزة ليغادروا إلى سيناء، وتزامن هذا مع حملات تنظيم الإخوان بمزاعم إنسانية، لتقبل مصر وتفتح معبر رفح ليتم تهجير الفلسطينيين إليه، وهى خطة تلاقت فيها حملات الإخوان مع دعايات وضغوط الاحتلال.

كل هذا يشير إلى أن الموقف المصرى كان الأوضح والأكثر حسما، بجانب أنه لا يحمل أى أهداف غير معلنة، بجانب أنه ينطلق من التزام واضح بالقضية ودعم للفلسطينيين، وواجهت مصر حروبا فى داخل الحرب، واجهت أكاذيب الاحتلال، وتلاعبه بالاتفاقات والأدلة، ثم إن مصر الأكثر خبرة فى التعامل مع الاحتلال، من جهة الحرب والسلم، وتعرف كيف توظف الأوراق وتتعامل مع المناورات بشكل محترف، وهى التى رعت ولا تزال المصالحة بين الفصائل، لإنهاء انقسام ليس كله بسبب اختلاف التوجهات، لكن بعضه بسبب تعارض مصالح.

الشاهد أن هذا الاستقطاب الحادث بين مدعين على مواقع التواصل، هو جدل افتراضى بين أطراف ترفض تشغيل عقولها، أو قراءة الواقع وما جرى خلال 15 شهرا، من تحولات أطاحت بالكثير من الثوابت والخطوط الحمراء، والشعارات، ثم إن الصراع نفسه أكبر وأخطر من أن يشبه خلافات مشجعى الكرة المتعصبين لنواديهم، بينما هو أمر يتعلق بمصائر الفلسطينيين فى غزة وغيرها، ويحتمل إدارة تنوع مناورات بين استعمال عنف محسوب للحصول على نتيجة، وليس المغامرة بأرواح كل الشعب لصالح أهداف غير واضحة.

الشعب فى غزة هو من تحمل الحرب والعدوان، وتم تهجير بعضهم مرات داخل غزة، لكنهم رفضوا التهجير وتمسكوا بالبقاء، وتفهموا وجهة نظر مصر الرافضة لتهجير يضيع الحق، أما من يستسهلون تخوين بعضهم، فهم من ضيعوا القضية فى الماضى، ويواصلون العمل بكل غباء، لتضييع ما تبقى.

p
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة