بيشوى رمزى

سوريا الجديدة.. بين معسكر الإصلاح ومستنقع الاستقطاب

الخميس، 02 يناير 2025 10:29 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حالة من التشابك تشهدها القضايا الإقليمية في اللحظة الراهنة، جراء التزامن بين حالتين من الصراع، أولهما العربي الإسرائيلي، والذي تأجج بصورة كبيرة منذ "طوفان الأقصى"، قبل أكثر من عام، وهو الصراع الذي يحمل صبغة تاريخية، يعود ليس فقط إلى تأسيس دولة إسرائيل، في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، وإنما سبقها بعقود طويلة منذ وعد بلفور في عام 1917، بينما تبقى الحالة الثانية هي امتداد لمشهد "الربيع العربي"، في إطار صراعات ذات طبيعة أهلية، تؤدي إلى إسقاط النظام الحاكم، على غرار المستجدات التي شهدتها سوريا في الأسابيع الماضية، أو على الأقل إضعافه ومن ورائه الدولة، على غرار المشهد السوداني المشتعل منذ ما يقرب من عامين كاملين.
 
التشابك بين الصراع الإقليمي التاريخي، والصراعات حديثة العهد نسبيا، في جوهره، أسفر عن واقع جديد، في منطقة الشرق الأوسط، في ضوء حالة من التنافس بين القوى غير العربية، حيث تراجع نفوذ إيران بصورة ملموسة، مع الضعف الكبير الذي لحق بحزب الله في لبنان إثر الضربات الإسرائيلية المتتالية، وسقوط بشار الأسد في سوريا، وكلاهما كانا بمثابة رؤوس حربة فيما يسمى بـ"الممانعة"، في حين تصاعد نفوذ تركيا إثر المستجدات نفسها، وبينما تواصل إسرائيل مخططاتها الهادفة إلى مزيد من الاتساع الجغرافي، على حساب فلسطين، والتي تسعى إلى تصفية قضيتها من الأساس، وحتى سوريا، عندما استغلت لحظة سقوط النظام، لتفرض سيطرتها على الجولان، في انتهاك صريح للشرعية الدولية.
 
ولكن بعيدا عن صراع النفوذ، بين القوى غير العربية في منطقة الشرق الأوسط، يبقى المستجد الرئيسي متجسدا في الكيفية التي سوف تسعى بها تلك القوى إلى تعزيز وجودها، فالأمور كانت تسير عن طريق توظيف ميليشيات لتكون بمثابة "الشوكة" في ظهور الدول، ولتخوض حروبا ضدها وضد مؤسساتها بالوكالة، وهو الأسلوب الذي يبدو متراجعا، على خلفية مشهدين متضادين،  أولهما يتمثل في الضعف الكبير في بنية العديد من التنظيمات، وعلى رأسها حزب الله، والفصائل في فلسطين، جراء الحرب الشعواء التي تخوضها إسرائيل ضدهم بدءً من غزة، مرورا بلبنان، وحتى جماعة الحوثي في اليمن من جانب، بالإضافة إلى نجاح المعارضة المسلحة في سوريا في الوصول إلى سدة السلطة، على حساب النظام القائم، في الوقت الذي أبدى فيه المجتمعين الدولي والإقليمي قدرا تجاوز توقعات البعض من الانفتاح على الواقع الجديد في دمشق من جانب آخر.
 
ولعل الحديث عن المشهد السوري ليس بالأمر الجديد تماما، فثمة العديد من المقاربات بينه وبين المشهد الأفغاني، والذي تحولت فيه الميليشيا المسلحة، وهي طالبان إلى الحكم، في عام 2021 بعد عقدين من الحروب منذ الغزو الأمريكي في 2001، في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإن كان الخلاف الرئيسي بين الحالتين يتجسد في حجم الانفتاح الكبير الذي حظت به دمشق، منذ سقوط النظام السوري، وهو ما يرجع في جزء كبير منه مواقف الأسد الدولية، والتي اعتمدت نهج الانحياز المطلق لحلفائه، وعلى رأسهم روسيا، في صراعها ضد الغرب، وإيران، في الحروب التي خاضتها بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط.
 
تكرار المشهد الأفغاني في سوريا، مع ميزة الانفتاح الدولي، التي حظت بها الأخيرة، يعكس تغييرا عميقا في إدارة صراع النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، عبر ما يمكننا تسميته بـ"التمكين"، وهو الأمر الذي ربما لا يقتصر على المنافسة بين القوى الإقليمية غير العربية، وإنما يمتد إلى النطاق الدولي الأكثر اتساعا، وهو ما يبدو في محاولات الغرب بقيادة واشنطن لاستقطاب القيادة الجديدة في سوريا، على حساب روسيا والتي كانت الحليف الرئيسي للأسد، ناهيك عن تحييدها تجاه إسرائيل.
 
سياسة "التمكين" ربما بدأت مع "الربيع العربي"، ولم تنجح، مع تواتر الثورات، وعلى رأسها ثورة 30 يونيو، والتي أعادت إلى المنطقة توازنها، تدريجيا، بينما حصنت نفسها عبر سياسات إصلاحية، تقوم في الأساس على تعديل مسار الدولة، سياسيا واقتصادية، ومجتميا، والاعتماد على تحقيق حالة تنموية مستدامة من شأنها تعزيز الاستقرار، وهو الأمر الذي اتبعته العديد من دول المنطقة، وبالتالي انطلقت المحاولة مجددا من أكثر الدول هشاشة جراء إهمال الأسد ونظامه للنهج الإصلاحي، والذي كان بمثابة ضرورة قصوى لإدارة مرحلة "ما بعد الربيع"
 
والمفارقة الجديرة بالملاحظة تتجلى في أن الدول العربية ذات التوجهات الإصلاحية، أبدت قدرا من الانفتاح على سوريا في ثوبها الجديد، وهو الأمر الذي يضع الكرة في ملعب القيادة الحالية، والتي يمكنها استغلال الفرصة القائمة عبر مزيد من الاندماج في إطار عملية إصلاح شاملة، تقوم في الأساس على تعزيز جبهة الداخل، وتحقيق حالة من الحوار بين مختلف أطراف المعادلة السياسية والاجتماعية، مما يساهم في إضفاء قدر كبير من الحصانة في مواجهة ما يطرأ من تحديات.
 
وهنا يمكننا القول بأن الاندماج السوري في المنظومة العربية، يبقى مرهونا بما يمكننا تسميته بـ"الخيار الصعب"، بين مسايرة طريق والتنمية، عبر الانضمام إلى معسكر الإصلاح، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق دون مصالحة وطنية شاملة في الداخل السوري، بالإضافة إلى الانفتاح على القوى الإقليمية، أو السقوط في مستنقع الاستقطاب، والتي سقط في مستنقعها الأسد ونظامه، وساهمت بصورة كبيرة في سقوطه، بينما كانت سببا رئيسيا في حالة من الدمار لحقت بالعديد من الفصائل التي آثرت خدمة مصالح حلفائها الدوليين، على حساب دولهم، بل وفي كثير من الأحيان على حساب القضية التي كثيرا ما تشدقت بها لحشد المزيد من الشعبية.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة