في زمن تتداخل فيه الفوضى مع الفهم، وتضطرب فيه القلوب بين هدي الرسالة وضبابية الطريق، تبرز صورة الشيخ محمد متولي الشعراوي كمنارة تضيء دروب الباحثين عن الحقيقة والطمأنينة.
كان الرجل الذي جمع بين العلم والدعوة بأسلوب فريد، بين التفسير والوعظ، وبين الفقه والتزكية، ليحفر اسمه في ذاكرة الأجيال كأحد أبرز مفكري الأمة الإسلامية في القرن العشرين.
الشيخ الشعراوي لم يكن مجرد عالم دين، بل كان مفسرًا للقرآن بلسان بسيط ولكنه عميق، فكل كلمة كان ينسجها من أعماق قلبه تحمل في طياتها رسالة إنسانية أكثر منها فقهية.
كان يقرأ القرآن كما يقرأه العاشق لمحبوبه، وتخترق عباراته الوجدان كما تخترق السهام القلب، لكن بدون ألم، كان يعتقد أن الدين ليس مجرد شعائر، بل هو علاقة روحية عميقة تجمع الإنسان بربه، علاقة يملؤها الحب والتفاهم، وتُرشد العقول لتلتقي بالقلب في معراج من الإيمان.
في برامجه التليفزيونية الشهيرة، التي اجتذبت الملايين من المشاهدين، لم يكن الشيخ الشعراوي يقدم دروسًا دينية فقط، بل كان يزرع بذور الفهم السليم في النفوس، كان يبتسم دائمًا، وعيناه تغنيان بما لا تُحكى الكلمات، وكان صوته العذب يبعث على الاطمئنان.
بأسلوبه الهادئ والرائع، كان يشرح المعاني العميقة للآيات القرآنية، يربط بين مفردات الحياة اليومية والتفسير القرآني، ليجعل من كل درس في معاني القرآن درسًا في الحياة.
أما حديثه عن العطاء، فكان أشبه بالنهر الذي لا ينضب، كان يربط بين الإنسانية والإيمان، وبين الرحمة والعدل، ويعلمنا أن الفقه لا يعني القسوة، وأن الفهم الحقيقي للقرآن هو فهم يدعونا إلى التراحم.
كان يرى أن الدين هو مصدر السكينة في قلب الإنسان، مهما كانت الظروف، وكان يرى في التفكر والتدبر مدخلًا للسلام الداخلي.
لم يكن الشيخ الشعراوي مجرد مفسر للقرآن، بل كان مفسرًا للحياة أيضًا، كلماته كانت تنبض بالإنسانية، وكانت تُحيي في نفوس مستمعيه شعلة الأمل والإيمان.
ورغم غيابه الجسدي، فإن إرثه الفكري وروحه الطاهرة ستظل تضيء الطريق للأجيال القادمة، كما كانت تضيء دروبنا في حياته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة