عادل السنهورى

جحيم لوس أنجلوس.. حرائق الولاية الذهبية

الأربعاء، 15 يناير 2025 01:39 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ماذا يحدث فى لوس أنجلوس وماذا يحدث فى كاليفورنيا؟

الحرائق التى ما زالت تلتهم مبانى وقصورا ومنتجعات ومنشآت وأبراج المدينة الأهم والأغنى فى الولايات المتحدة الأمريكية التى تتبع كاليفورنيا التى تسمى بالولاية الذهبية تثير الجدل الواسع حولها ما بين تفسيرات علمية وتفسيرات دينية.


ما بين التفسيرات المتناقضة والانحياز السياسى والانتماء الدينى فما يحدث هو الحريق الأكبر فى العالم، والذى وصفته الصحافة الأمريكية والعالمية كأنه "قنبلة ذريّة سقطت على هذه المناطق"، فمشاهد الحرائق وألسنة اللهب والعواصف النارية كأنها الجحيم والأهوال الذى دمر فى المدينة أكثر من 12 ألف مبنى وأشعل ما يقرب من 40 ألف فدان وأدى الى مقتل 16 شخصا ونزوح حوالى 300 ألف شخص، وخلف خسائر اقتصادية تقدر حتى الآن بحوالى 150 مليار دولار وقابلة للزيادة خلال الأيام المقبلة مع عجز السلطات الأمريكية عن مواجهه الحرائق.


جحيم لوس أنجلوس أدى إلى تراجع أسهم شركات التأمين الأمريكية، بعد أن قدر محللون أن الخسائر المشمولة بالتأمين والناجمة عن حرائق الغابات فى لوس أنجلوس قد تصل إلى 20 مليار دولار، مما قد يجعلها الكارثة الأعلى تكلفة فى تاريخ ولاية كاليفورنيا.

ما دفع الناس فى دول الشرق الأوسط بالغالبية المسلمة إلى الملاذ الدينى فى تفسير "جحيم لوس أنجلوس" هو الانحياز السياسى والدعم العسكرى الأمريكى اللامحدود لإسرائيل فى حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية والاعتداءات على لبنان، حتى بلغ حجم الصفقات العسكرية منذ بداية الحرب حوالى 54 مليار دولار، وأنه ما يجرى هو "الانتقام الإلهي" واستجابة لدعوات ملايين المسلمين حول العالم وفوق المنابر. رغم أن الخراب والشماتة فيه وفى الدمار ليس من القيم الدينية الإسلامية أو المسيحية أو اليهودية، فالكوارث والحرائق لها حكمة الهية مع تفسيراتها العلمية.

لكن ربما أن بعض الآراء والتعليقات من بعض مشاهير هوليوود وانحيازها ضد القضية الفلسطينية وتأييدها للحرب على غزة هو ما أطلق هذا التفسير. فالممثل والمنتج الأمريكى والحائز على جائزة الأوسكار جيمس وودز الذى دعا إلى إبادة غزة، وأعلن تأييده للحرب الصهيونية على القطاع وقال فى منشور على منصة إكس "لا لوقف إطلاق النار. لا للهدنة. لا للغفران"، مستخدما وسم "اقتلوهم جميعا"، حيث طالب فيها بقتل بإبادة الفلسطينيين ورفض وقف إطلاق النار فى غزة قبل قتل سكان القطاع، هذا الممثل اشتعلت النيران فى منزله الذى يبلغ قيمته ملايين الدولارات شاهده العالم وهو يبكى على شاشة السى إن إن الأمريكية بسبب حريق ودمار منزله وبكت معه المذيعة تعاطفا معه..! فيما اعتبره المتعاطفون والمؤيدون للقضية الفلسطينية "انتقاما ربانيا" بسبب موقفه من الحرب.

لكن فى الوقت نفسه هناك قصور ومنازل مشاهير هوليوود ونجوم السينما العالمية والشخصيات العامة فى لوس أنجلوس قد تم تدميرها، ومنهم ميل جيبسون، بيلى كريستال، باريس هيلتون، وجيف بريجز، ماندى مور، أنتونى هوبكنز، مايلز تيلر، وكيم كارداشيان، ومن مصر الدكتور عصام حجي. وبعض هؤلاء لهم مواقف مؤيدة من القضية الفلسطينية وضد حرب الإبادة. كما أن هناك فى الولاية ومنها مدينة لوس أنجلوس يسكن حوالى 750 ألف مسلم وحوالى 93 مسجدا. فالشماتة هنا لا منطق لها لكن يمكن أخذ العبر والدروس مما يحدث.

فولاية كاليفورنيا التى تخلت المكسيك عنها للولايات المتحدة وأصبحت الولاية الحادية والثلاثين المنضمة إلى الاتحاد فى 9 سبتمبر 1850 هى أكثر ولايات الولايات المتحدة سكانًا (أكثر من 38 مليون شخص)، وثالثها مساحة بعد ألاسكا وتكساس (424 كيلومتر مربع تقريبا). وتقع على الساحل الغربى للولايات المتحدة، وتحدها من الشمال ولاية أوريجون ومن الشمال الشرقى ولاية نيفادا وولاية أريزونا من الجنوب الشرقى والمحيط الهادئ من الغرب. وتضم أكبر أربع مدن هى لوس أنجلوس وسان دييجو وسان خوسيه وسان فرانسيسكو. يوجد بالولاية ثانى وسادس أكبر مجال إحصائى، وكذلك ثامن مدينة اكتظاظًا بالسكان فى الولايات المتحدة. ما يقرب من 40٪ من ولاية كاليفورنيا تغطيها الغابات، وهى نسبة عالية بالنسبة لمنطقة قاحلة.

اقتصاد كاليفورنيا هو الأكبر فى والولايات الأمريكية . ويساهم بأكثر من 13% من إجمالى الناتج المحلى فى الولايات المتحدة. كما أنها موطن العديد من المناطق الاقتصادية الهامة، مثل مدينة السينما والترفيه فى هوليوود والفضائيات فى جنوب كاليفورنيا والوادى الأوسط الأكبر انتاجا للزراعة فى العالم، ووادى السليكون (ومناطق إنتاج النبيذ مثل وادى نابا ووادى سونوما وجنوب كاليفورنيا فى سانتا باربرا ووادى تمكلا ومناطق باسو روبلز.

حجم الحرائق وطبيعة وأهمية المكان هو ما دعا إلى الاهتمام غير المسبوق به عالميا، فالحرائق تمتد على مسافة 266 كيلومترا تقريبا وهى مسافة توازى مساحات دول كاملة فى العالم، ما أدى إلى حالة نزوح كبيرة من السكان فى مناطق لوس أنجلوس وكاليفورنيا وغيرها لعدم القدرة على مواجهة الكارثة الطبيعية المستمرة نتيجة اشتداد الرياح. فالرياح العاتية التى تسمى سانتا آنا بلغت سرعتها 100 ميل فى الساعة، وهى سرعة تفوق المعدلات المعتادة بكثير. هذه الرياح القوية، فى ظل الجفاف الشديد، ساعدت فى انتشار النيران لمسافات واسعة. وحسب علماء المناخ، فعادة ما تحدث حرائق الغابات فى فصل الصيف، ولكن سرعة الرياح تلعب دورًا كبيرًا فى تحدى انتشار النيران. ففى فصل الشتاء، عندما تكون الرياح أكثر ركودًا، تصبح الحرائق أكثر تدميرا وانتشارًا فى وقت قياسي.

فالتغيرات المناخية أدت إلى جعل المنطقة أكثر حرارة وجفافًا طوال العام الماضى، مما أدى إلى جفاف النباتات بشكل كبير، وبالتالى أصبحت الأرض مهيأة لأن تتحول إلى وقود سهل للحرائق.

التفسير العلمى لحرائق لوس أنجلوس كما قال الدكتور فاروق الباز، عالم الفضاء ومدير مركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن الأمريكية، لقناة أون الفضائية: "هناك عوامل كثيرة تداخلت مع بعضها البعض أدت إلى ما حدث. فحاليًا الأرض جافة جدًا، ولم تكن هناك أمطار لفترة طويلة جدًا.. وبالتالى كل شيء جاف قبل اندلاع الحرائق، من التربة والأشجار. وهبت رياح قوية وسريعة، فنقلت الأجزاء المحترقة والمشتعلة وغطت البلد بأكملها".

الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية ترى أن ‎هذه الحرائق كانت حتمية الحدوث منذ سنوات، فجنوب كاليفورنيا يقع خارج نطاق الأمطار ‎ويرجع ذلك إلى أن الصغط الجوى المرتفع يغطى معظم أجزاء المنطقة خلال فصل الصيف ما يجعلها أكثر جفافاً عن المناطق المحيطة بها.

أما فى فصل الشتاء يتراجع الضغط الجوى المرتفع عن هذه المنطقة بشكل مؤقت ما يسمح لكاليفورنيا باستقبال كل أمطارها السنوية خلال فترة زمنية قصيرة جدا، ولكن فى عام 2024 شهدت المنطقة فصل صيف جاف بشكل غير طبيعى، ما أدى إلى تراكم العديد من الشجيرات القابلة للاشتعال على السطح ومع وجود رياح سانت آنا القوية جدا توفرت بذلك جميع العناصر اللازمة لاندلاع الحرائق الضخمة.

ما يبدو خارج التفسيرات العلمية هو أن الموسم الحالى هو موسم الأمطار الغزيرة. فالمطر وسقوطه -كما يقول الدكتور الباز- يحدده توازنات كثيرة جدًا لهطول الأمطار من عدمه. والمتخصصون فى الأرصاد يرصدون ما يحدث لقراءة ما إذا كانت الحالة عارضة أم أنها مستمرة. وفى وجهة نظرهم، هى "حالة غريبة فى الوقت الراهن، وجارى دراستها".

الحرائق ما زالت مستمرة فى كاليفورنيا ولم يتبق على تنصيب الرئيس الجديد دونالد ترامب سوى أيام ولم يمر – أيضا – على تصريحاته بالجحيم فى غزة إذا لم يتم التوصل إلى صفقة الرهائن سوى أيام قليلة. بالتأكيد هناك أمور تتجاوز حدود العقل البشرى فى لحظة ما عند تفسيرها العلمى فقط.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة