سلطة الأمر الواقع فى سوريا، بقيادة أبومحمد الجولانى، سابقا، وأحمد الشرع، حاليا - والذى لا نعرف له مسمى وظيفى رسمى حتى الآن - تكشف ساعة بعد أخرى عن وجهها الحقيقى، وأنها تحمل أفكارا تكفيرية ظلامية، عبارة عن خليط ما بين أفكار القاعدة وداعش، ونهج إخوانى فى «المسكنة» وارتداء الأقنعة، حتى تتمكن من تحقيق أهدافها، ثم تُسقط الأقنعة وتظهر عن وجهها الحقيقى.
القيادة الجديدة، الخليط من كل الجماعات الإرهابية والتكفيرية ومن مختلف الجنسيات، وبحلتها الجديدة، «البذلة والكرافات» وتسريحة الشعر وتهذيب اللحى، سرعان ما أظهرت عن وجهها الحقيقى، رغم المحاولات الحثيثة فى الظهور أمام كاميرات الفضائيات وعدسات الصحف والمواقع، فى شكل الحمل الوديع، والإدلاء بتصريحات محفوظة عن سوريا الجديدة المستنيرة الحاضنة لكل مكونات الشعب السورى، والخالية من الإقصاء والسجون والتعذيب، وأنه لن يُقصف قلم، ولن يُكمم صوت، فالجميع سيتمتع بالحرية والتعبير.
أما ما يدور بعيدا عن كاميرات القنوات الفضائية، وعدسات مصورى الصحف والمواقع، شىء مغاير يدعو للأسى والوجع، فالميليشيات تعيث فى الأرض، تنكيلا وقمعا وضربا وتحريما، بدأتها فى الأيام الأولى لسقوط نظام بشار، عندما طاردت عددا من العلماء، خاصة علماء الكيمياء والفيزياء، وهناك تأكيدات من وسائل إعلام محلية ودولية عن اغتيال عدد من العلماء بدم بارد، وهنا الأمر يأخذ أبعادا أخرى مثيرة للرعب!
اغتيال علماء الكيمياء والفيزياء، وتدمير المراكز والمعاهد البحثية، على وجه الخصوص يبعث برسائل الشك، وأن الميليشيات تنفذ ما تؤتمر به من أجهزة استخباراتية معلوم عنها تنفيذ مثل هذه الجرائم من قبل، وأنها الآن تعربد فوق الأراضى السورية، وفى حالة أن الميليشيات نفذت اغتيالات العلماء انتقاما فالأمر أيضا يبعث عن القلق والريبة، وأن الميليشيات تُحرم العلم وتجرمه، والمعلوم أن تقدم الأمم يبدأ بالاهتمام ورعاية العلم والعلماء.
وانتقلت الميليشيات لتنفيذ وتطبيق أفكارها، من خلال إغلاق معاهد الموسيقى وتحريم السينما والمسرح والرسم والنحت، ومضايقة الفنانين ومطاردتهم وضربهم، وما تعرض له الفنان عبدالمنعم عمايرى للضرب فى حى المزة بالعاصمة السورية دمشق، إلا حالة دالة، من بين عشرات الوقائع اليومية المثيلة التى تُرتكب فى حق الفنانين والموسيقيين والمثقفين والتنويريين السوريين.
أما الجريمة الظلامية النكراء التى ارتكبتها الميليشيات الإرهابية فهى إغلاق معهد «صباح فخرى للموسيقى»، وهو المعهد الموسيقى العريق الذى تأسس عام 1958 ويعد من ضمن أهم معاهد الموسيقى ليس فى سوريا فحسب ولكن فى الوطن العربى، وأطلق عليه اسم المطرب الكبير «صباح فخرى» عام 2006 ويردد نشطاء سوريون أن المعهد تحول إلى مسجد.
لذلك فإن الدراما السورية التى كانت رقما صحيحا فى الدراما العربية، مهددة بالاندثار، وأن الساحة الفنية برمتها ستتوارى وراء ستائر النسيان، أما الفنانين والمطربين والموسيقيين، فقد انقسموا فريقين، الفريق الأول والذين يقيمون فى سوريا يعانون الأمرين ويعيشون فى حالة هلع، بينما الفريق الثانى، الذين يقيمون فى خارج البلاد، وكانوا يترددون على سوريا فإنهم لن يتمكنوا من العودة خوفا على أرواحهم، وأن يصيبهم مكروه، فالمشهد ملبد بالغيوم، والمستقبل مرعب.
هذا غيض من فيض، مجرد نماذج، لكن ما يحدث على الأرض يفوق الخيال الجامح، فشهية الانتقام مفتوحة «ع البحرى»، انتقام من فلول نظام الأسد، ومن الطوائف، العلوية والأكراد والمسيحيين والدروز والأزديين والأشوريين، بجانب محاولة تأديب القبائل والعائلات الكبيرة، وهو ما ينذر بحرب أهلية، هى مشتعلة فعليا تحت الرماد، والدليل المعارك الدامية بين «قسد» وفصائل الجيش الوطنى السورى، والتى مات فيها العشرات، وغليان يسيطر على المسيحيين الذين يمثلون 10 % من سكان سوريا، والعلويون يعيشون فى حالة تأهب قصوى، والدروز يترقبون، أما الأكراد فيعيشون فى موقف صعب ما بين مخاطر خارجية وترصد داخلى.
المثير للغثيان، أنه وسط الانتقام من مكونات الشعب السورى، واغتيال العلماء، وإعادة سوريا لعصور الظلام، ارتكبت الميليشيات جريمة نكراء، تندرج تحت خانة «الخيانة الكبرى» فقد مكنت إسرائيل من السيطرة على الأوضاع فى سوريا، أرضا وجوا وبحرا، وصار لها الكلمة العليا، وأن الحكام الجدد الخليط من «كوكتيل» أفكار متطرفة معتبرة، راضون ويبعثون برسائل الطمأنة لتل أبيب مفادها: «لن نمثل لكم تهديدا من أى نوع، وسنكون لكم أكثر أمنا وثقة من نظام بشار الأسد، فلتهدأ إسرائيل وتطمئن وينام شعبها قرير العين»!
هذه هى الأوضاع فى سوريا «المحررة»، والتى يحاول الموتورون تصديرها لدول الإقليم الكبرى، لتدميرها وتمزيقها وتفكيك جيوشها ومؤسساتها الأمنية الحامية، لتمكين كل الأعداء والطامعين منها!
خسئتم، وبئس هذا التحرر والحرية!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة