إسرائيل حاليًا تعيد رسم توازن القوة في الصراع مع إيران. ضربت "حماس" في غزة، وأضعفت "حزب الله" في لبنان، وأصبحت تل أبيب أكثر قوة وخبرة في المواجهات الطويلة.
اليوم، "حزب الله" فقد معظم قياداته وأسلحته، وإيران تشهد تراجعًا في نفوذها المسلّح. ومع ذلك، لا يبدو أن طهران ستتخلى عن "حزب الله" كلياً، وهو أمر رهن عدة تفاعلات دولية وإقليمية، يبدو أنها تحدث بالفعل.
تعرّض "حزب الله" اللبناني في الآونة الأخيرة لسلسلة من الاغتيالات التي استهدفت قياداته البارزة، مما أثار تساؤلات حول وجود اختراق أمني كبير في صفوفه. بدأت سلسلة العمليات باغتيال القائد العسكري محسن السيد فؤاد شكر، تلاه إبراهيم عقيل المعروف بالحاج عبد القادر، وقادة آخرين في قوة الرضوان، وهي إحدى وحدات النخبة في الحزب. الآن، وبعد ساعات من النفي والتأكيد رسميًا، تم اغتيال حسن نصر الله، الرجل الأقوى والأبرز في "حزب الله" اللبناني، وهي أكبر ضربة يتلقاها التنظيم.
هذه الضربات تؤكد الشكوك حول قدرة جهاز أمن الحزب على منع الاختراقات، خاصةً في ظل فشل محاولة اغتيال القيادي علي كركي، قائد الجبهة الجنوبية، والتي كشفت عن صراع استخباراتي معقد.حزب الله كان يفاخر منذ نشأته بجهاز أمني فريد من نوعه يُعرف بـ"جهاز أمن المقاومة"، الذي أنشئ بدعم إيراني، ويشمل وحدات مختصة بالأمن الوقائي والهجومي، إضافة إلى وحدة أمن الاتصالات، وهي أقسام مماثلة لتلك الموجودة في أجهزة الاستخبارات التقليدية للدول. لكن الواضح أن الواقع يثبت أن الدول ومخابراتها عقيدتها تتفوق دائماً وابداً على التنظيمات الغير نظامية وغير حكومية، وتبقى فكرة الدول الوطنية ضمانة للاستقرار والقوة والثبات.
لهذا يبدو أن أخطاءً داخلية، واختراقات في الصفوف الأولى، وتراخياً في الرقابة الأمنية أسهمت في هذه الاختراقات، خصوصًا أن الحزب مرّ بفترة تجنيد واسعة خلال الحرب السورية، ما أتاح فرصة لاختراق "الموساد" عبر عناصر جدد لم تُدقق خلفياتهم بدقة.
العمليات الأخيرة التي اعتمدت على تفجير أجهزة "البيجر" و"ووكي توكي" المُخترقة تشير إلى تورط شركات وهمية في توريد أجهزة مفخخة للحزب، لتصبح أدوات لجمع المعلومات قبل أن تنفجر في التوقيت المناسب. وتشير التقارير إلى أن هذا المخطط نفذته شبكات مرتبطة بالشركات الإسرائيلية والوسطاء الأوروبيين، مما كشف وجود "خلد" حقيقي داخل هيكلية الحزب.
من الصعب تخيّل إيران تتخلى عن الحزب، إلا إذا حدثت صفقة كبرى وبالطبع إيران الدولة تفضل مصالحها على أذرعها وميليشياتها في المنطقة. السيناريو الأكثر منطقياً هو أن طهران قد تجري تغييرات جذرية في قيادة الحزب لإعادة تأهيله، لكن دور "حزب الله" سيبقى قائمًا في سوريا والعراق واليمن.
فيما يبدو أن إيران قد تخفف من صراعها مع إسرائيل مؤقتًا بسبب تزايد الضغوط والهزائم، وللتوافق مع إدارة أمريكية محتملة. ما زالت إيران تعيد حساباتها، وإسرائيل تواصل إعادة تشكيل خارطة الصراع في المنطقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة