رضا فرحات

الشرق الأوسط بين مطرقة التصعيد الإسرائيلى وسندان السلام المفقود

الإثنين، 02 سبتمبر 2024 09:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يقف الشرق الأوسط اليوم عند منعطف خطير نتيجة السياسات الإسرائيلية العدوانية، التى لا تقتصر آثارها على زعزعة استقرار المنطقة فحسب، بل تمتد لتشكل تهديدا للأمن العالمى بأسره، ويضع التصعيد العسكرى الإسرائيلى المستمر المنطقة على حافة حرب شاملة قد تكون عواقبها كارثية على الجميع، وكل هذه الممارسات تكشف بوضوح استراتيجية إسرائيل الساعية إلى إبقاء المنطقة فى حالة دائمة من الصراع، لتحقيق أهدافها التوسعية دون اعتبار للتداعيات الخطيرة على السلام والأمن الدوليين.

منذ تأسيسها فى عام 1948، ارتبطت إسرائيل بسلسلة من النزاعات والحروب فى منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من التوصل إلى بعض الاتفاقات والتفاهمات على مر السنين، فإن سياسات إسرائيل الحالية تمثل عائقا أمام أى تقدم حقيقى نحو السلام، حيث تدفع إسرائيل بمرور الوقت المنطقة إلى حافة الهاوية، وذلك من خلال سياسات التصعيد العسكرى المتكرر والاعتداءات المستمرة على الأراضى الفلسطينية، بالإضافة إلى محاولاتها تغيير الواقع الديمغرافى فى القدس والمناطق المحتلة الأخرى، وفى كل مرة تطرح فيها مبادرات سلام جديدة، نجد أن الجانب الإسرائيلى يقابلها بتصعيد على الأرض، سواء من خلال شن هجمات عسكرية أو مواصلة بناء المستوطنات غير القانونية، وكل هذه السياسات ليست مجرد رفض للسلام، بل هى محاولة لترسيخ الأمر الواقع على الأرض، وفرض شروط جديدة تجعل من المستحيل العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط متساوية.

إن إصرار إسرائيل على فرض وقائع جديدة على الأرض، من دون مراعاة حقوق الفلسطينيين أو المجتمع الدولى، يجعل من المستحيل الوصول إلى حل سلمى للنزاع، وفى هذا السياق، يبرز غياب الإرادة السياسية كعائق رئيسى أمام نجاح أى مفاوضات وكل الجهود المبذولة من قبل المجتمع الدولى والوسطاء من أجل تحقيق تسوية سلمية للنزاع الإسرائيلى - الفلسطينى غالبا ما تصطدم بجدار من عدم الجدية من الجانب الإسرائيلى، وبدلا من السعى إلى حل شامل وعادل، تركز إسرائيل على تحقيق مكاسب قصيرة الأمد تعزز من هيمنتها على الأرض، ما يؤدى إلى تآكل الثقة بين الطرفين المتنازعين.

وبالرغم من الدعوات المتكررة لإعادة إحياء عملية السلام ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، تظل هذه المفاوضات محكومة بالفشل بسبب غياب الإرادة السياسية لدى إسرائيل بسبب عدم الالتزام بالشروط الأساسية لتحقيق السلام، مثل وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأشقاء والاعتراف بحقوق الفلسطينيين، وهو ما يعكس مدى التراجع فى الجدية السياسية لدى القيادة الإسرائيلية فى هذا الصدد بدلا من اتخاذ خطوات جادة نحو السلام، تفضل إسرائيل اتباع نهج يعتمد على القوة العسكرية وتجاهل التزاماتها الدولية.

إن استمرار إسرائيل فى نهجها الحالى لا يقتصر تأثيره على الفلسطينيين وحدهم، بل يمتد ليشمل المنطقة بأسرها، لأن السياسات الإسرائيلية تزيد من حالة الاستقطاب فى الشرق الأوسط، مما يشجع الجماعات المتطرفة على استغلال حالة الغضب والإحباط فى صفوف الشعوب العربية والإسلامية، وهذا الوضع يخلق بيئة خصبة لانتشار العنف والفوضى فى المنطقة، مما يعزز من احتمالية اندلاع صراعات جديدة قد تكون أكثر دموية وتدميرا، كما أن دعم بعض القوى العالمية لهذه السياسات يفاقم من المشكلة، حيث يؤدى إلى انعدام التوازن فى المنطقة ويزيد من صعوبة التوصل إلى حلول سياسية، وفى ظل غياب دعم حقيقى لمبادرات السلام، يبدو أن النزاع فى الشرق الأوسط قد يتحول إلى صراع مفتوح على جميع الجبهات، وهو ما يعيد المنطقة إلى دوامة العنف وعدم الاستقرار.
فى ظل هذا الواقع المتأزم، يتضح أن الحل الوحيد للخروج من هذه الدائرة المفرغة يكمن فى توافر إرادة سياسية حقيقية لدى جميع الأطراف المعنية، ويجب على إسرائيل أن تدرك أن سياساتها الحالية لن تؤدى إلى تحقيق الأمن والاستقرار، بل على العكس ستزيد من عزلة الدولة الإسرائيلية وتعرضها لمزيد من المخاطر، ومن جانب آخر، فإن المجتمع الدولى مطالب باتخاذ مواقف أكثر حزما إزاء التصرفات الإسرائيلية، ودفعها نحو الالتزام بالقرارات الدولية التى تدعو إلى حل الدولتين كخيار وحيد لتحقيق السلام، ويجب أن يكون هناك ضغط دولى حقيقى يدفع إسرائيل إلى التراجع عن سياساتها التوسعية والاعتراف بحقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف.

إن تعامل المجتمع الدولى مع إسرائيل يعكس إلى حد كبير ازدواجية المعايير، فى حين يتم الضغط على بعض الدول لتنفيذ القرارات الدولية، ويتم التغاضى عن انتهاكات إسرائيل المستمرة للقانون الدولى، وهذا الأمر لا يؤدى فقط إلى إضعاف ثقة الشعوب العربية والإسلامية فى المؤسسات الدولية، بل يعزز من شعور الإحباط واليأس الذى يسود فى المنطقة.

الولايات المتحدة، باعتبارها الحليف الأكبر لإسرائيل، تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن فشل المفاوضات والدعم الأمريكى غير المشروط لإسرائيل، سواء كان عسكريا أو دبلوماسيا، يشجعها على التمادى فى سياساتها العدوانية، وفى الوقت نفسه تفشل القوى الكبرى الأخرى فى اتخاذ مواقف حازمة ضد الانتهاكات الإسرائيلية، مما يساهم فى استمرار الوضع الراهن.

وعلى الرغم من الصورة القاتمة التى تبدو عليها الأوضاع فى الشرق الأوسط، لا يمكن القول: إن السلام مستحيل التحقيق، ولكن لتحقيق هذا السلام لا بد من تغيير جذرى فى النهج المتبع من قبل إسرائيل والمجتمع الدولى، والسلام لن يتحقق إلا من خلال مفاوضات جادة تبنى على أسس العدالة والمساواة والاحترام المتبادل، ويجب أن تتحلى القيادة الإسرائيلية بالشجاعة السياسية للاعتراف بحقوق الفلسطينيين والتخلى عن السياسات التى تعرقل السلام، كما أن المجتمع الدولى وخاصة القوى الكبرى، مطالب باتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه انتهاكات إسرائيل، ودعم الحلول التى تضمن حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة على حدود 1967.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة