هيثم الحاج على

نور المسلة وسر الحضارة المصرية القديمة

الخميس، 19 سبتمبر 2024 11:39 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في الثامنة من مساء السبت الثالث من أبريل عام 2021 بدأ في وسط القاهرة احتفال مهيب لنقل اثنتين وعشرين مومياء ملكية لملوك وملكات يعود تاريخهم إلى الأسر من السابعة عشر إلى العشرين، من مقرهم في المتحف المصري بميدان التحرير الذي لم يغادروه منذ بداية القرن العشرين، إلى متحف الحضارات الجديد في عين الصيرة.
كان الحدث يدل على احترام الدولة المصرية الحديثة لتاريخها ووقوفها بداخله معتزة بانتمائها له، في الوقت الذي تستخدم فيه منجزات العلم الحديث للحفاظ على هذا التاريخ، ويتقابل ذلك مع رؤية فنية أظهرت ذلك الجذر المصري بوصفه عنصرا أصيلا في رؤية المصري المعاصر لنفسه وهويته.
كانت الأجزاء الفنية من الاحتفال تشكل رسالة واضحة للعالم أن مصر مازالت تحتفظ لنفسها بأسرار جمالها ومازالت تستطيع أن تخرج من داخل هذا الجمال إبداعا جديدا، بدءا من طابور حملة القرابين في بداية الاحتفال حتى أنشودة إيزيس التي ختمت الاحتفال بالقدر نفسه من الجمال.
كان من أوائل فقرات الاحتفال مجموعة من الأطفال الذين يجرون نحو مركز ميدان التحرير حيث انتصبت في مركزه مسلة رمسيس الثاني، وعندما يشير الأطفال بأيديهم إلى المسلة القابعة في وسط الميدان المضاء بإضاءة خافتة تتم إضاءة خطوط ليزر ضوئي من قاعدة الدائرة إلى قمة المسلة لتتجمع فوقها تلك الخيوط وتبدأ في إضاءة السماء، وتكون تلك الإشارة التي تبدأ بها الرحلة بالدوران حول هذه المسلة كأنها هي مركز بداية الحدث.
مثلت هذه الصورة تحديدا فهما عميقا لواحد من أهم أسرار الحضارة المصرية، ذلك السر الذي يمكن لنا وصفه انطلاقا من رؤية مصر لنفسها بوصفها مركز التسامح العالمي وقبول الآخر على مدار التاريخ، ذلك المركز الذي سمح لها باستيعاب كل من مر بها وصبغه بالصبغة المصرية الخالصة، حيث إن انفتاح هذه الحضارة على كل منابع المعرفة والجمال - ليس فقط المصري منها – جعلها قادرة على الصمود أمام هزات التاريخ، كما جعلها قادرة على صناعة معرفة ربما يمكن وصفها منذ قدم التاريخ بالكوزموبوليتانية متعددة الثقافات، حينها تكون مصر قادرة على إنارة العالم بما تصنعه من إبداع، بالضبط كما حدث في خطوط الضوء التي مثلت تجميع الثقافات عند قاعدة الدائرة واستطاعت أن تنير سماء ميدان التحرير تلك الليلة.
ربما يكون ذلك المشهد الدال عابرا في تلك الليلة لكنه قد استطاع تمثيل واحد من أهم أسرار مصر، محبتها، ورغبتها في أن يعم النور العالم، واهتمامها بالنور بغض النظر عن مصدره، هي مصر التي بدأ التاريخ بعدها في كتابة علومه والتي ينبغي لها أن تعود.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة