تحركات دبلوماسية مُستمرة ومُكثفة تقوم بها الدولة بهدف الحفاظ على الأمن والاستقرار ليس فقط على المستوى الداخلى وإنما على مستوى المنطقة العربية ككُل، وسط تغيرات سياسية كُبرى يشهدها الشرق الأوسط على مدار أشهر، لا سيما سنوات، فهناك من القضايا التى ما زالت مُمتدة منذ أحداث ثورات الربيع العربى فى عام 2011، حيث الملف اليمنى والليبى والسورى، إلى جانب قضية العرب الأولى، القضية الفلسطينية، والممتدة لسنوات وسنوات، فيما أنها الآن تطغى على المشهد السياسى بقوة، منذ اندلاع الأحداث فى الأشهر الأخيرة من العام الماضى، حيث تصاعد الأحداث بما تسبب فى كارثة إنسانية يعيشها الأشقاء الفلسطينيون فى قطاع غزة.
وعلى الرغم من أن أنظار العالم باتت مُسلطة على غزة، إلا أن مصر ما زالت تلعب دورها المحورى لاستعادة استقرار المنطقة فى مسارات مختلفة، من خلال جهود مُتواصلة تقوم بها الخارجية المصرية إلى جانب مؤسسات الدولة المعنية بحفظ الأمن القومى للبلاد.
وأشار المؤتمر الصحفى الذى جمع بين وزير الخارجية، الدكتور بدر عبدالعاطى ونظيره التركى، هاكان فيدان، الاثنين الماضى، إلى كثير من النقاط المحورية التى تحرص عليها الدولة فى سياستها تجاه المنطقة، فقد أكد «عبدالعاطى» على ضرورة تعزيز التشاور فى الملف الليبى والوصول إلى الانتخابات الليبية والبرلمانية لصون وحدة ليبيا واستعادة استقرارها، إضافة إلى التأكيد على ضرورة استعادة العمل على حل الخلافات التركية السورية، مُرحبًا بما أبداه الجانب التركى من استعداد لحلها. كما بدا توافق مصرى تركى حول الإحالة بين غزة والسودان واليمن ولبنان وتصاعد الأحداث، إلى جانب مناقشة التهديدات التى تواجهها الملاحة بسبب إعاقة مرور بعض السفن فى البحر الأحمر، بما يُهدد المصالح الاقتصادية لكثير من الدول حول العالم بما يؤثر على المنطقة سياسيًا واقتصاديًا بشكل سلبى.
وعلى مدار الأشهر الماضية، رأينا كيف كانت تحركات الوفود المصرية والليبية الرسمية بشكل متبادل، لبحث المُتغيرات الجارية على الأراضى الليبية، ومناقشة سُبل دفع العملية السياسية الليبية إلى مسارها الصحيح، فالإدارة المصرية تولى اهتمامًا كبيرًا بدعم وحدة واستقرار ليبيا، فهى تؤثر بشكل مُباشر على الأمن المصرى.
الأمر ذاته بالنسبة للسودان، فالإدارة المصرية تولى هذا الملف اهتمامًا بالغًا، وتحت شعار «معًا لوقف الحرب»، احتضنت القاهرة فعاليات مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية، فى يوليو الماضى، بهدف الوصول إلى حوار وطنى سودانى يرتكز على رؤية سودانية خالصة، لاستعادة الاستقرار فى السودان، وعلى هامش المؤتمر أعرب، رئيس وزراء السودان السابق، ورئيس تنسيقية تقدم السودانية، عبدالله حمدوك، فى تصريحات صحفية، على دور مصر المحورى لإنهاء الحرب فى السودان.
وتقديرًا للدور المصرى فى محاولة احتواء الأزمة السودانية، أصدر مجلس وزراء حكومة ولاية البحر الأحمر فى السودان، الثلاثاء الماضى قرارًا بإطلاق اسم «مصر» على أحد الشوارع السودانية، بمدينة بورسودان، حيث الطريق الرابط بين مدخلها حتى تقاطع شارع حى الصفا، وأوضح مسؤولو المبادرة الشعبية، التى طالبت بذلك من خلال التواصل مع الجهات المعنية السودانية، أن إطلاق الاسم على أحد الشوارع السودانية، يأتى للإعراب عن تقدير السودانيين للدور المصرى، حيث استقبال مئات الآلاف من السودانيين وإرسال المساعدات الإنسانية لمواجهة ما يعيشه السودان من أزمة إنسانية لا تقل خطورة عما يعيشه أهل غزة.
وفى اليمن، أكد وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمنى، الدكتور شائع محسن الزندانى، فى حوار له، على الدور المصرى المُهم فى الأزمة الممتدة التى يشهدها اليمن، مُعربًا عن سعادته بعودة الحوار الاستراتيجى بين مصر واليمن، والذى تم انعقاده فى يونيو الماضى بالقاهرة، بعد توقف بسبب الأحداث التى تمُر بها بلاده، لافتًا إلى أن مصر لها مكانة كبيرة لدى اليمنيين، وأنهم أبدًا لن ينسوا هذا الدور.
كما وجه وزير الخارجية اللبنانى، عبدالله بوحبيب، الثلاثاء الماضى، التحية والتقدير لمصر ودورها الكبير فى دعم ومساندة لبنان فى كثير من المنعطفات السياسية والاقتصادية والإنسانية فى تاريخها، مُثمنًا خلال لقائه مع وزير الخارجية المصرى السياسات المصرية المعنية باحتواء الأزمة اللبنانية، من خلال التواصل مع الأطراف المعنية لاحتواء ما يشهده لبنان من تصعيد، وقال «عبدالعاطى» فى مؤتمر صفحى مشترك بالعاصمة الإدارية الجديدة، أن مصر تحثّ أطراف الصراع على ضبط النفس وعدم انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة، وبجانب أن لبنان دولة شقيقة تربطها علاقات ثنائية متميزة مع مصر، إلا أنها تتأثر بشكل وثيق بالأوضاع الدائرة فى غزة، والمناوشات الجارية بين حزب الله اللبنانى وإسرائيل فى سياق التوعُد الإيرانى بالثأر لاغتيال رئيس مكتب حماس، إسماعيل هنية، وأيضًا مناصرة القضية الفلسطينية، والأشقاء فى قطاع غزة؛ بما يُصعّب من الأوضاع التى يعانى منها لبنان.
إن مصر تحمل على عاتقها مسؤولية كبيرة، لا يُمكن لأحد أن يُنكرها، تزداد يومًا بعد يوم فى ظل تحديات تشهدها المنطقة بأكملها، ولذلك تحرص الإدارة المصرية على العمل فى مختلف المسارات السياسية والاستراتيجية ومع جميع الأطراف المعنية ممن تلعب أدوارًا مؤثرة فى منطقتنا، لإعلاء هدف واحد، ألا وهو استعادة استقرار المنطقة والحفاظ على الأمن القومى المصرى والعربى، فقدّر مصر دائمًا أن تكون بمثابة «عمود الخيمة» التى يعتمد عليها جميع الأشقاء والشركاء فى المنطقة، فبها يحيا الوطن العربى فى سلام وأمان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة