استمر إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسى لحركة حماس سنوات طويلة، ويتحرك بين العواصم العربية وغيرها بحرية وأمان، ويعامل كرجل دولة وليس قائدا لحركة مقاومة، وبرغم حالة الشقاق بين فتح وحماس واستقرار المنظومة الدولية على أن الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى هى منظمة فتح دونما غيرها من الفصائل الفلسطينية، وقد شاهد العالم والمختصون منهم اقتتال حماس وفتح وانشقاق حماس «بجزء» من الأرض وبكل «السلطة» فى مواجهة العالم، كل هذه الانتهاكات والخدش الواضح فى شرعية حماس الدولية، إلا أنها ظلت ممثلا معترفا به فى كل مفاوضات لأى وضع يتعرض له قطاع غزة دونما الضفة العربية، فأصبحت السلطة سلطتين.. السلطة سلطتين ولكن الهم واحد!
لماذا يغتال هنية الآن ولماذا فى إيران ولماذا هنية تحديدا؟ يبدو أن الأمر معقدا ومدبرا لتحقيق مكاسب محددة تخص حكومة إسرائيل الحالية. «إنهم يقتلون المفاوضين» ويطلبوا التفاوض!! ويهتموا بألا يصل التفاوض لأى نتيجة!! هذه محصلة الأشهر التسعة، أشهر فائتة حملت سفاحا أقصى درجات الظلم والوحشية لشعب أعزل فقير بائس، تخلى عنه البعض تماما، وبقيت مصر وحدها فى موقف صلب مدافعا عن القضية وعدم تصفيتها، وتصر كل ساعة على وقف القتال وإدخال المساعدات، وتحتضن كل المفاوضات، سواء داخل مصر أو خارجها دون كلل أو ملل.
إن اغتيال «هنية» الآن لا يمكن أن يفسر إلا من خلال عدة نقاط أساسية، أولا تأخير المفاوضات لأبعد حد ممكن، وقد يكون القضاء عليها نهائيا بغية إطالة أمد الحرب دون النظر أو الاعتبار لأسرى إسرائيل فى يد حماس وإزاحتهم نهائيا، كونهم ورقة ضغط سياسية فى يد المفاوض الفلسطينى، ثانيا ضرب هنية فى إيران وهو المقيم فى قطر بمكان معلوم، ويتحرك بحرية لهو أيضا من دواعى توسيع الحرب وإرغام إيران على توسيع رقعة الصراع كطرف مباشر، بجانب وكلائه بالمنطقة، ثالثا إدخال أمريكا كطرف رئيسى فى الحرب إن امتدت بين إيران وإسرائيل، وبذلك تتحول لحرب شرق أوسطية ضخمة يتدخل فيها وكلاء إيران، ويتم إشعال كل جبهات الوكالة من حزب الله وفصائل الحوثى وبعض فصائل العراق، وبإشعال النيران تهرب الفئران إلى خارج المعسكر، كما تتمنى إسرائيل وتزعم، رابعا تحييد الخليج بالكامل ونهائيا عن دعم حماس عن طريق وضع إيران طرفا رئيسا فى الحرب مما يعقد التوجهات السياسية لبعض دول الخليج التى تعيش صراعا خفيا وظاهرا بينها وبين إيران تحت مظلة شراع سنى شيعى، وإن كان فى باطنه صراع مصالح سياسى معتاد، ولكنه يتلحف بالطائفية!
إن حماس فى مفترق طرق كبير، وتعانى أشد الضربات إيلاما بفصلها عضويا عن محيط دول كبيرة كانت تساندها، ولن تفعل إذا أصبحت بشكل واضح وصريح إحدى أزرع إيران فى المنطقة، وقد تكون تعقيدات الفصل هنا بين كون حماس مقاومة شرعية وبين أن تكون وكيلا للحضارة الفارسية والمظلة الشيعية فى معركة مختلفة يعنى بها المد الثورى الإيرانى الشيعى أكثر من عنايته بقضايا المنطقة التقليدية، فشتان الفارق بين النظرتين!
إسرائيل لا تريد حماس فى المعادلة بعد أن رعت وجودها وأزكت الفتنة بينها وبين فتح، وساعدت على انفراد حماس بغزة وشق القضية الفلسطينية إلى جبهتين، جبهة فى الظل وهى فتح وجبهة علنية تلبسها إسرائيل وأمريكا وكل الدول الغربية لباس الإرهاب الوحشى وهى حماس، وتستدعى بها مخاوفها من داعش ومن 11 سبتمبر، ومن كره منتشر للعرب والإسلام غير مبرر سوى من خلال نظارة العنصرية الشيفونية.
إسرائيل لا تريد يوما تاليا للحرب، فهى تريد استمرار نفس يوم الحرب، وإحراق كل الأرض للقضاء على الفئران «كما تتصور» كلها مرة واحدة، الكيان المحتل يريد غزة ومحور فيلادلفيا تحت حكم «مدير عام» إدارى، يكتب تقاريرا «لمجلس إدارة»، وهو حكومة إسرائيل التى تريد كل يوم أن يباد هذا الشعب، يتصور العالم الغربى أن إسرائيل واحة الديمقراطية فى منطقة صحراء قاحلة، ولكنها تنسى أن الديمقراطية لا تستوعب الوحشية والهمجية والإجرام الإنسانى.
مصر الكبيرة تنظر إلى ما يجرى فى المنطقة بكل حكمة وعقل، وتحاول أن تخمد أطراف النيران حتى لا تتسع الحرب، مصر وحدها التى تتكلم عن القضية الفلسطينية والباقى يتحدثون عن قضاياهم، القيادة السياسية المصرية أعلنت لاءات محددة، وتتمسك بها وحدها فى شجاعة رجل الإطفاء الذى يقف وسط النار، كل من حولنا يشعلون النيران ومصر وحدها تحمل مدفع الإطفاء.
قلوبنا مع الشعب الأعزل، الذى يباد كل يوم بلا ذنب أو جريرة سوى كونه يصر على مقاومة المحتل وتطهير بلاده، فيقع فريسة لكل مؤامرات وأجندات العالم لتنفذ انطلاقا من أرضه!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة