يصعب أن يتحقق الإصلاح والصلاح لمؤسسات الدولة دون عزيمة صادقة وإرادة قوية لا تلين تجاه اجتثاث جذور الفساد والإفساد بصوره المختلفة؛ كي تتحقق الغايات المنشودة، ويقابل العطاء ثمرة يجنيها المجتمع بأسره؛ حيث إن قيم الولاء والانتماء والأمانة والشرف وغيرها من القيم النبيلة لا تتوقف عند حد شعارات نتقولها، بل ينبغي أن تكون محض تنفيذ ليصبح الوجدان راق لا يشوبه صراع، وتهدأ النفس فلا يصيبها فتور أو إحباط، وينصلح السلوك؛ فلا نرصد منه إلا كل مرغوب فيه.
ومسيرة الإصلاح المؤسسي ليست بالأمر الهين أو البسيط؛ فمن يمتلك عقيدة الصلاح يستهدف دومًا أن يعمل بصورة مستدامة على أن يقتلع جذور ومسببات الفساد بمؤسسته؛ فلا يرتضي البيروقراطية، ولا يتقبل الركود، ولا يتعاون مع منظومة خربة تقوم على اللامبالاة والتسيب والفوضى، ولا يمرر أفعالًا تؤدي لمكتسبات خاصة على حساب المصلحة العامة؛ لأن هذا كله يهدم العمل المنتج، ويدحض ماهية الاستقرار المؤسسي الذي من شأنه يقوي العزيمة ويضاعف الجهد.
ومنذ أن تولى الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد هنو حقيبة وزارة الثقافة أخذ على عاتقه العمل وفق استراتيجية تنموية تعمل على بناء الإنسان وترتقي بثقافته وتعضد علاقته بحضارته التي يفخر بها، ومن ثم سارع الرجل إلى الميدان ليستكشف واقعه، ويتعرف على مشكلاته وتحدياته، ويقف على ملامح القصور التي قد يكون سببها فساد ممنهج، أو إفساد ناتج عن إهمال، أو بيروقراطية في الأداء، أو مصالح لأشخاص بعينهم تغلغلوا في أماكنهم وحققوا مكتسبات غير مشروعة، إلى غير ذلك من سبل خفية.
وقد ذكرنا من ذي قبل بأن وزير الثقافة يعمل على إعادة هيكلة الوزارة بصورة متأنية ليختار رؤساء الهيئات والقطاعات وباقي الهيكل التنظيمي؛ وهنا نقر بأن آليات وعمليات الإصلاح والتطوير تتركز الجهود من خلالها على التغيير المرغوب فيه، وبدون شك يساعد ذلك في السير قدمًا نحو المخططات الاستراتيجية التي تتبناها الوزارة؛ حيث تسخر كل مقوماتها لتكلل الجهود المكثفة بالنجاح، ولا ينفك ذلك عن تكريس الوقت والجهد والدعم اللوجستي لتتحقق الإنجازات المنشودة وفق جدولها الزمني المرسوم لها.
وتمهل الوزير في تولية العديد من المواقع القيادية التي تخص هيئات وزارة الثقافة مسبب؛ فمن يهتم بأمر الإصلاح ينبغي أن يتثبت ويتريث؛ كي يضمن أن يولي من يصلح لمسيرة التقدم والتطوير المتضمنة باستراتيجية الوزارة الطموحة، حتى تصبح كافة قطاعات وهيئات وإدارات وزارة الثقافة بربوع الجمهورية منتجة، تقدم خدماتها بما ينعكس بصورة إيجابية على المجتمع والمؤسسة بالنفع، وبما يسهم في تبني المزيد من الأفكار الريادية التي تفتح مسارات للابتكار بتنوعاته المختلفة في مجال الفنون.
ويعد التسلح بالمعرفة والعلم من المقومات الرئيسة للقائد الذي يود أن يجابه الفساد ويقضي على دروبه الظاهرة منه والباطنة؛ فعبر الحوكمة الرقمية الذكية تتنامى الكفاءات وتنجز المهام وتحقق الغايات في مواقيت لا نهدر من خلالها مصالح المستفيدين، وبما يعود على المؤسسة من نفع مباشر وغير مباشر، وفي هذا الخضم اهتم الوزير بفكرة التدريب وصقل خبرات منتسبي وزارة الثقافة وهيئاتها؛ ليصبح الجميع قادرًا على أن يقوم بمهامه المكلف بها، بل ويفتح هذا الأمر مسارات الابتكار والأفكار الخلاقة لتحسين العمل المؤسسي، خاصة أن وزارة الثقافة وقطاعاتها المختلفة تهتم بالفنون التي لا تقبل النمطية في تناولها ولا تقف عند حد الأساليب التقليدية.
ونثمن رؤية وزير الثقافة في تبنيه منهجية الإصلاح والتطوير في آن واحد وفق معايير تقوم فلسفتها على جودة المنتج وحسن الأداء والممارسة وفق التخصص النوعي ومجالاته، وهذا الأمر يساعد قطاعات وهيئات الوزارة على النهوض وتقديم أفضل ما لديها؛ لتسهم في بناء وازدهار الوطن بشكل يوصف بالمستدام؛ فيتواصل العطاء من قبل الاستثمار المباشر في الثروات البشرية التي تمتلك المهارة الفنية؛ لتقدم أفضل ما لديها من تلون فنون.
وأمر الإصلاح والتطوير بوزارة الثقافة المصرية يساعد بصورة فاعلة في إحداث التوازن في ضوء فلسفة المدخلات والمخرجات؛ فيصعب أن تتحقق التنمية المستدامة في ظل البقاء على أنماط الفساد الصريحة والمقنعة، كما أن الثبات وخشية مغرم التطوير يؤدي إلى الركود والهوة الكبيرة بين العرض والطلب، مما يزيد حالة العوز لدى الوزارة، وهذا خطر يحيط بها ويضير باستراتيجيتها الطموحة.
وما قام به وزير الثقافة بشأن تكليف نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الأستاذ محمد عبد حافظ ناصف منسقًا عامًا بين قطاعات الوزارة من أجل مكافحة الفساد، وهذا الرجل له باع في العمل الإداري ويتسم بالأمانة وشرف المهنة ومصداقية الكلمة، ويعد هذا الأمر من الآليات الجيدة التي تعمل على محاربة الفساد والحد من انتشاره.
ودعونا نشد من عضد وزير الثقافة ونؤكد له أن الإصلاح يستهدف دوماً محاربة الفساد والمفسدين؛ فلا إعمار بعيدًا عن عدالة مؤسسة تشعر العاملين بالوزارة بالارتياح، وتحثهم على بذل أقصى ما في الجهد، وتحضهم على الإتقان، وتغلق الأبواب أمام المفسدين والمغرضين وأصحاب المؤامرات والغايات؛ فيصبح الطريق ممهدًا لتطبيق ما جاء باستراتيجية الوزارة.
إن اهتمام الدكتور هنو بمحاربة الفساد والمفسدين وتبني عمليتي الإصلاح والتطوير يقوم على قناعة تامة بأن ذلك يشجع على الإبداع والابتكار على المستوى المؤسسي والجمعي والفردي؛ إذ يترك مساحة لإعمال مهارات التفكير الفردي والجمعي في مراحل التخطيط والتنفيذ والمتابعة وصولًا للتقويم الذي يهتم برصد الإخفاقات وتبيان نقاط القوة، كما يهيئ البيئة الداعمة التي تنقل الوزارة نقلة نوعية تحقق غاياتها بصورة مباشرة.
وعلى وزير الثقافة أن يعي جيدًا ضريبة تبني فلسفة الإصلاح والتطوير؛ فلا يلقي بالًا بالشائعات المغرضة والاتهامات المزيفة من أصحاب المآرب غير السوية؛ لأن الانشغال بهذه الأمور الصغير يؤدي لإحباطات، ومن ثم يتوقف العطاء، وتقل الرغبة، وتضعف الرؤية نحو المستقبل المشرق للوزارة.
ونوقن بأن فراسة الوزير تجعله يرصد ما قد تتعرض له الوزارة من مشكلات وتحديات؛ فيعمل على اتخاذ ما يلزم لمواجهتها بشكل ممنهج في مسار من الصمت والسرية؛ كي يحقق الهدف؛ فيضرب بيد من حديد على المفسدين، ولا يسمح لمرضى القلوب أن ينالوا من مقدرات الوزارة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة