حرص الملايين على حضور المساحة المُشتركة التى انطلقت على موقع «X» - تويتر سابقًا – الثلاثاء الماضى، والتى أتاحها الملياردير الأمريكى وصاحب الموقع، إيلون ماسك؛ للمُرشح الجمهورى فى الانتخابات الأمريكية المُقررة فى 5 نوفمبر المقبل، دونالد ترامب. وكانت لهذا الحديث أصداء واسعة فى مختلف أنحاء العالم، سواء على المستوى الأمريكى الداخلى أو الخارجى، فقد أعلن فيه «ترامب» عن كثير من النقاط الخاصة ببرنامجه الانتخابى، مُتطرقًا إلى رأيه فى كثير من القضايا السياسية والاقتصادية التى باتت تمس العالم أجمع، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، وأيضا العدوان الإسرائيلى على غزة، إضافة إلى موقفه من إيران، مشيرًا إلى اختلافه التام مع سياسات الرئيس الأمريكى الحالى، جو بايدن، والتى يرى من وجهة نظره أنها تسببت فى تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية بين دول العالم، إلى جانب تدهور الاقتصاد الأمريكى الداخلى فى عهده.
المساحة التى أتاحها موقع التواصل الشهير لترامب، ربما تأتى فى سياق دعم «ماسك» الملحوظ للمُرشح الجمهورى فى الانتخابات المقبلة، كما وصفتها كثير من وسائل الإعلام الأمريكية وربما كما يُعلن هو نفسه فى سياقات أحاديثه، فيما أن دعوة «ماسك» للمُرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، عبر حسابه الرسمى، لاستضافتها فى مساحة مُشابهة لتلك التى استضاف فيها «ترامب»، تأتى لتقطع هذا الكلام على كثيرين، حتى وإن كان ما يُخفيه عكس ما يُظهره، فالآن الكرة فى ملعب «كامالا»، ولعل هذه الدعوة تضعها فى مأزق كبير أمام مؤيديها من الرأى العام الأمريكى فى حال رفضها.
ومن منظور مُتصل، فإن هذا الحوار المفتوح الذى استمر لحوالى ساعتين وأكثر، على منصة «X» يأتى ليؤكد مدى التأثير الذى يلعبه هذا الموقع فى عالم الاتصال والترويج السياسى، فبالطبع لا ننسى اتهامات «ترامب» فى الانتخابات الأمريكية السابقة لعدد من وسائل الإعلام الأمريكية بتحيزها إلى «بايدن» والتضييق عليه كمُرشح جمهورى لصالح الديمقراطى، إلى حد أن وصل الأمر إلى قطع البثّ عليه فى أحد خطاباته فى الانتخابات السابقة، كما أن موقع «تويتر» فى ذاك الوقت قام بحظر حساب «ترامب» الرسمى، وذلك قبل استحواذ إيلون ماسك عليه، بما يسمح لترامب باستخدام حساباته مرة أخرى على «X».
وكان حساب «ترامب» الرسمى من أكثر حسابات رؤساء الدول شُهرة على «تويتر»، والأكثر تأثيرًا أيضًا، فقد اعتمد عليه بشكل كبير فى الدعاية الانتخابية التى سبقت فوزه فى الانتخابات الأمريكية فى عام 2016، ويُمكن القول إنه من الأسباب الرئيسية فى فوزه فى تلك الانتخابات، وهو ما فتح الباب أمام كثير من الباحثين والعاملين فى مجالى الإعلام والتسويق لدراسة مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعى فى الترويج السياسى، والفرق بين الاعتماد على هذه الوسائل الإعلامية الحديثة والبديلة، ونظيرتها التقليدية التى يُمكن التأثير على عملها وتوجُهاتها طبقًا لمالكيها والقائمين على رئاستها.
وأثبتت الدراسات بالفعل أهميتها وفاعليتها، فهى أكثر قدرة على التأثير فى الرأى العام، لما تتصف به من مميزات، حيث السرعة فى الانتشار إلى قاعدة كبيرة من الرأى العام والناخبين، وقلة النفقات مقارنة بالحملات الإعلامية التقليدية، إضافة إلى صعوبة التأثير على توجهاتها من قبل أطراف أخرى.
ربما العائق الوحيد الذى يُمكن أن يواجهها حاليًا فى عصرنا الحديث، هو القرصنة أو الاختراق، ولعل ما تعرضت له كثير من المنشآت الحيوية من أسابيع فى عدد من الدول الغربية بسبب عُطل مايكروسوفت، لخير دليل، على أن الحروب الجديدة باتت سيبرانية وسحابية، وقد برر «ماسك» تأخر حديث «ترامب» عبر «X»، لمدة 40 دقيقة إلى مشاكل فنية، أرجعها إلى أنها نوع من الهجوم الإلكترونى، الذى يراه أنه انعكاس لوجود مُعارضة داخل الولايات المتحدة الأمريكية لأحاديث «ترامب»، فيما رأى مُتخصصون فى المجال السيبرانى أن السبب يُمكن أن يرجع إلى الضغط الكبير الذى شهدته المنصة بهدف حضور المُحادثة الخاصة بالمُرشح الجمهورى.
ولكن بوجه عام، فإن «X» بهذه المحادثة، أثبت نجاحًا كبيرًا فى عالم الإعلام والسياسة على حد سواء، كما أنه بهذه الخطوة نجح «ماسك» فى إثبات قدرة هذه المنصات والتقنيات الحديثة فى منافسة وسائل الإعلام التقليدية؛ بل والقدرة على القضاء عليها إن لم تنتبه لما يدور حولها من مُتغيرات والإدراك بأنه من السهل تخطيها للوصول إلى أهداف سياسية أو غيرها من الأهداف، لأحد الأطراف المؤثرة فى المشهد خاصة فى مجال الدعاية الانتخابية، وأيضًا فى ظل تراجعها بطبيعة الحال، حيث ما ظهر من أجهزة وتطبيقات حديثة، بات الناس والشباب والفئات العمرية الأصغر يعتمدون عليها إلى حد كبير، ولذلك يجب الانتباه لتلك الأدوات جيدًا كأداة رئيسية من أدوات الاتصال السياسى الأكثر يُسرًا وتأثيرًا، وعدم التقليل من شأنها فى وقت باتت فيه جميع المجالات مُتاحة سيبرانيًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة