على مستوى الزمن كيف نريد أن نحسب علاقتنا بنصر حامد أبو زيد، إنها 81 عاما على الميلاد، و14 عاما على الرحيل، لكن ذلك مجرد رقم، المهم هو الأثر الذى تركه المفكر، فقد كان "أبو زيد" صاحب أثر لا يزول أبدًا.
خاض تجربة، لا أعتقد أنه كان يتمناها، كان يريد أن يقضى حياته يفكر ويعمل ويناقش القضايا الكبرى والأفكار المزمنة فى تاريخنا وراهننا، ومع أنه لم يحب الأزمات ولم يسع إليها، لكنها عندما أصابته واجهها بقوة وصلابة وتحمل، ولم يدفعه الظلم الذى عاش فيه للعيش فى دور الضحية، بل واصل محاورة الأفكار حتى النهاية.. نعم؛ رحل نصر حامد، لكنه لا يزال حاضرًا لا يغيب، وهذا الحضور ليس مجانيًا، بل نتاج فكر وجهد.
مستقبل الفكر الإسلامى فى منح «العقل» فرصة
تعامل نصر حامد أبو زيد مع «العقل» بوصفه جوهر عملية التفكير، وأصل كل نمو، ونظر فى التراث الإسلامى فوجد المعتزلة بكل تجربتهم، والتى كان التفكير العقلى فى القلب منها، فاقترب منهم ودرسهم فى رسالته للماجستير، وقدم لنا كتابه المهم «الاتجاه العقلى فى التفسير: دراسة فى قضية المجاز فى القرآن عند المعتزلة».
وخلصنا نحن من تجربة نصر حامد أبو زيد مع المعتزلة إلى أن التفكير العقلى جزء أساسى فى حال فكرنا أن نذهب إلى المستقبل، وأن العقل أساسى وضروى، فيما نختاره من التراث لنقره وندعمه ونعيد إنتاجه، وليكن أساسيا أيضا فى نقد التراث واستبعاد ما نحتاجه أو نريده.
مستقبل الفكر الإسلامى فى استخدام التأويل
نقطة ثانية مهمة جدًا فى تجربة نصر حامد تتعلق باختياره فى الدكتوراه، إذ كانت دراسته المعمقة والفارقة عن الشيخ ابن عربى، بما يمثله من ثقل فى الثقافة الإسلامية، والتأويل بما يعبر عنه من حجر أساس فى فهم الثقافة الإسلامية بوجه عام والتصوف بوجه خاص، فجاء كتابه «فلسفة التأويل: دراسة فى تأويل القرآن عند محيى الدين بن عربى»، وقدم لنا نصر حامد أبوزيد فيه نموذجًا لقراءة تراثنا والاستفادة منه، والانتقال به إلى الراهن.
والتأويل يعنى منح مساحة للخيال، وهو ما نحتاجه بشدة فى حياتنا الراهنة، كى نخطو خطوات جادة للأمام.
إدراك الدور والمعنى
رغم أن الأزمة التى مر بها نصر حامد لم تكن سهلة، وربما لو صادفت شخصا غيره لأفضت به للتوقف عن البحث والسعى، لكن نصر حامد لأنه يعرف دوره، لم يتوقف عن العمل، وذلك يؤكد أننا طالما نؤمن بدورنا ونعرف موقفنا من الأشياء فإن لا شىء قادر على هزيمتنا.
التحصن بالأحباب
يقول نصر حامد أبو زيد إنه لم يناقش مع الدكتورة ابتهال يونس زوجته حكم المحكمة بالتفريق بينهما، لكنهما ناقشا ماذا سيفعلان معًا، لقد زادتهما الأزمة تماسكًا، بما يؤكد لك أن التحصن بالأحباب هو من ينجيك من المصائب.
ما ينفع الناس يمكث فى الأرض
مات نصر حامد أبو زيد، لكن فكره مستمر وعلمه لا يزال ينفع الناس، لذا سيمكث فى الأرض، فهو يملك علمًا نافعًا، إنه يقول للناس فكروا، وتأملوا، لقد خلق الله لكم عقولا كى تستخدموها، ولم يجعلكم تابعين أفكار سابقة وضعها الناس فى زمنهم، أنتم فى زمن آخر تحصنوا بالله والقرآن الكريم وسير الطيبين وعلم العلماء الحقيقيين، واعملوا.
نصر حامد أبو زيد.. ضرورة
دائما ما أرى أن نصر حامد ضرورة ينتجها المجتمع، سواء فكره وقدرته على مناقشة الأفكار أو صدامه مع بعض أفراد المجتمع ممن لهم مصلحة أو لم يفهموا فكرة الرجل أو انساقوا وراء كلام الآخرين. وأعتقد أن فى مجتمعنا الذى يصحب تراثه «كله» خلفه، ولا ينتقى منه ولا يختار منه ما يناسبه، سيجعلنا نواجه مثل هذه الأزمات كثيرا، وحينها سنستمد من نصر حامد أبو زيد القوة على المواجهة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة