مجدى أحمد على

يا سينما يا غرامي

عمر الشريف.. وأنا – 3

الثلاثاء، 30 يوليو 2024 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أنفق عمر الشريف على الدعوات المتكررة لفريق الفيلم على العشاء أكبر بكثير من المبلغ الذي حددناه أجرا له، وعلي ضفاف النيل بالفندق كان يتعامل معنا وكأننا ضيوف في بيته.. شديد الكرم والرقة.. يراقب كل الحضور ويناول بعضهم الطعام بيده، وأحيانا يلح إلحاح الأمهات لتناول صنف معين.. كما يراقب امتلاء الكئوس لكل ضيوفه ويعيد ملأها بنفسه.. كان رغم رغبته في الحديث بلا انقطاع مستمعا جيدا، ومتذوقا رائعا، وشغوفا للنكتة المصرية، ولما عرف أني أحفظ منها الكثير كان يلقاني مرحبا ومشترطا أن أبدا حديثي معه بآخر نكته، وكان في بعض الأحيان يطلب مني إعادة نكته سمعها من قبل ليضحك من قلبه وكأنه لم يسمعها من قبل..

كان يحس - كأغلب المبدعين الحقيقين – أن رحلته في عالم التمثيل انتهت دون أن تشعره بقدر كاف من الرضا والتحقق.. ولم يكن يتحول إلى شخص عدواني إلا عندما يفرط في الشراب، وعندها يتصور أن أي انتقاد ولو من بعيد لأي سلوك أو عمل فني في تاريخه هي حالة تربص تبيح له ألا يقمع أي رد فعل مهما كان قاسيا ومهنيا حتي لأقرب أصدقائه.
فعلها مع الفنانة الكبيرة نجلاء فتحي وكان من أقرب أصدقائها وكان زوجها الصحفي الكبير حمدي قنديل حاضرا للاحتفال بقرب تصوير فيلم من إنتاج نجلاء ومن اخراج الفنانة سماح أنور، حين انفجر بسيل من السباب والشتائم لأنها تحدثت عن فيلمها الجديد باعتباره مختلفا عن كل ما أنجزه في مصر، ولكن الجديد في الحادثة نجلاء فتحي أنها كانت الوحيدة التي ردت عليه بكل قوة، ولم تأبه بكل التحفظات التي كبلت رد فعلي ورد فعل الآخرين.. وطبعا توقف مشروع الفيلم إلى الأبد دون أن يعلن عن ذلك أيا من أطرافه.

في إحدى الأمسيات على النيل أخرج عمر الشريف من جيب الجاكيت صورة لعمرو دياب، وتوجه له بالحديث: معلش يا أستاذ عمرو.. ممكن توقيعك على الصورة دي، حفيدتي طلبت مني كده لما عرفت إني باشوفك.. احمر وجه عمرو دياب خجلا وهو يتناول الصورة: يا خبر يا أستاذ بنفسك؟ بتطلب منك أنت؟ ورد عمر ببساطة وابتسامة ساحرة: معلش يا ابني كل زمن وله نجومه ومعجبيه.. هي ما تعرفنيش الا من الصور، وتعرفك أنت وبتحبك اكتر.. معاك قلم؟ اخذ عمرو دياب الصورة ووقع فوضعها عمر الشريف في جيب الجاكتة بكل احترام قائلا: شكرا البنت مش هتعرف تنام لما أديهالها.

كان عمرو دياب سعيدا بتجربة "ضحك ولعب وجد وحب" وكان وجود ممثلين كبار إلى جواره حافزا مختلفا عما سبق له من أداء في أفلام أخرى، وكان مطيعا لظروف التصوير وتعليمات المخرج وشروط الإنتاج، رغم مروره بتجربة عاطفية عنيفة أثناء التصوير.

كنا جالسين – طارق التلمساني وكمال عبد العزيز وأنا – مع عمرو دياب الذي فتح معنا موضوعا قال إنه يؤرقه ويريد رأينا فيه.. وبعد تردد قال عمرو دياب انه بطل الفيلم مع الفنانة يسرا، وان دور عمر الشريف "أبوه" في الفيلم دور ثانوي، ولذلك يري ان من حقه ان يكتب اسمه أولا على تترات وأفيشات الفيلم.. أحرج طارق ولم يرد، أما أنا فقد رددت بمنتهي الود والصراحة: يا عمرو لا تطرح هذه الفكرة على أحد، ولا تفكر فيها حتي بينك وبين نفسك.. الأمر لا يتعلق بخلاف مهني، ولكن بعملك مع شخصية استثنائية، وسوف يكرهك حتى جمهورك لو علموا بأنك طرحت هذه الفكرة للمناقشة..
سكت عمرو دياب ولكن عمرو آخر هو عمرو عرفة طمأنه بأن الأسماء سوف تكتب بطريقة ترضي الجميع.. وهذا ما حدث فعلا وظل الأمر سرا حتى الآن.

كان عمر الشريف يتحدث كثيرا عن فاتن حمامة، وكان يقول إنه لم يحب غيرها، وكان يردد هذا الكلام كثيرا حتى مع الصحافة، لدرجة أزعجت فاتن، التي حاولت إبلاغه عبر وسطاء  عن ضيقها كسيدة متزوجة من رجل محترم، إلا أنه لم يتوقف أبدا.
وفي لحظة خاصة جمعتنا حكيت له قصة فيلم أتمنى أن يلعب بطولته من إخراجي، وكان عن قصة "الحب في زمن الكوليرا".. بهرته القصة وأبدى حماسا هائلا، ولكن حماسه تحول إلى انفعال عنيف عندنا قلت له إني افكر في ان تلعب الدور أمامك فاتن حمامة، وأني بدات الاتصال بها، عندها قال بمزيج من اليأس والأمل، لو نجحت في اخذ موافقة فاتن حمامة فسوف امثل الدور مجانا، بل وسوف أساهم في إنتاجه وتوزيعه.. ولكنه أردف: لن تستطيع أبدا.. كان غيرك أشطر..!!

كان يعلم أن زوجها رجل شرقي غيور، وأن فاتن لن تغضبه أيضا، ويكفيها محاولات إثنائه عن ذكر اسمها في كل مكان بشكل يهدد استقرار حياتها التي اختارتها مع رجل تحترمه وتقدره.

حكي لي "سمير صبري" أنه سمع من زاهي حواس في الأيام الأخيرة من حياته الصاخبة، أن عمر قال لصديقه وهما يتناولان العشاء، أن له صديقا في مصر يعتبره الوحيد، وعندنا سأله حواس عن اسم هذا الشخص، قاله له عمرو وهو يتذكر اسمه زاهي حواس.. وبقدر سعادة زاهي فقد أحزنه كثيرا ان صديقه لا يتذكره حتي وهما جالسان معا.. وعندما سمعت هذه الحكاية من سمير صبري قلت له حزينا مع الأسف يا صديقي هذه هي النهاية، ولم تمض سوى عدة أسابيع حتى رحل الأسطورة.. رحل عمر الشريف.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة