تثير الأندلس الشجون والحنين إلى ماض عربى زاخر بالفنون والعلوم والمحبة، وهناك على الأراضى الأسبانية تنشأ قصة حب بين مصرية وإسباني، بين مليكة طالبة الدراسات العليا في جامعة مدريد، وأنطونيو المخرج السينمائى والمعيد في نفس الجامعة التي تدرس بها مليكة، وهو المحور الرئيس لرواية "وكأنه الحب" للكاتبة نوال مصطفى الصادرة حديثا عن الدار المصرية اللبنانية.
ويرشدنا اسم "الحبيب" أنطونيو إلى أسطورة شبيهة بقصة أنطونيو وكليوباترا فالحب سريع شفاف كأنه يمضى على مسار قطار، يبدأ بنفس الطريقة التي يقع بها أي حب في بقعة من بقاع العالم، مشاعر تنمو بلا ماض مشترك، حب صاف كأنه مقطر، عذب كأنه قطعة من الجنة.
وتزخر الرواية بالكثير من التفاصيل الإسبانية التي تشي بمعرفة الكاتبة بإسبانيا كبلد، فمليكة مثلا تعيش في "هوستيل أمريكا"، حيث تخطو كل يوم خطواتها إليه من الجامعة، وتمر يوميا على تمثال الدبة الشهيرة في ميدان سول، وتعرج على ميدان الأوبرا، وهي كلها تفاصيل في العاصمة الإسبانية مدريد.
البطلة "مليكة" هاربة من اليأس الذى عاشته في مصر بعد سنوات من القهر حطمت قلبها الصغير الباكي من قصة حب خذلتها فيها الظروف وخذلها أيضا حبيبها "حاتم" بعد سنتين من العلاقة، وعندما تقوم الثورة ترى الاستقرار يهتز وتختار الخروج.
أنطونيو عاشق لمصر، وعارف لتفاصيلها إذ يكلم البطلة في لقاء بينهما عن قهوة الفيشاوي والحسين وأكل الذرة المشوية على ضفاف النيل، ومن هنا تنشأ قصة الحب الرومانسية.
مليكة تحضر الدكتوراة في مقدمة ابن خلدون وتستعين الكاتبة نوال مصطفى بالكثير من أقواله ضمن أحداث الرواية علما بأنها استعانت بمفتتح من رواية الوله التركي لأنطونيو غالا جاء فيه: كنت أشعر بشيء أخوي تماما في تلك الرحلة، كما لو أن العرب الأندلسيين يهمسون في عروقي بصلوات غير مفهومة، لا شيء يموت كليا، لا وجود للنسيان".
الخط الدرامى الموازى لقصة الحب الرومانسية التى تدور وقائعها فى أسبانيا يبدأ من عائلة مليكة التي تعيش فى مصر فحسام ينضم إلى الجماعات المتشددة وهو طالب الهندسة النابه المحب للموسيقى لكن تغيرا كبيرا يقلب حياته رأسا على عقب حين يرتبط بفتاة مسيحية ثم تفشل العلاقة في الوصول إلى غايتها ومن هنا تتغير حياته فيبدل توجهاته من الموسيقى والعزف إلى التشدد والتطرف ما يبدد هناء عائلته ويمحق ذكرياتها السعيدة.
سياق قصة مليكة يتغير أيضا فعلى نحو مفاجيء يبتعد أنطونيو ويحل محله "خوان" وهو استاذها في جامعة مدريد الذى يراها طالبة مجتهدة ويرغب في الارتباط بها فيدعوها إلى العشاء.
في المطعم الشهير الذى يقع في العاصمة مدريد تقع الصدفة القاتلة فتلتقى "أنطونيو" مع فتاة تعرى إحدى ذراعيها وتغطي الآخر وترتدي ملابس مثيرة، وهنا تنتابها حالة من الحزن يسيطر عليها خوان فتمر الليلة على خير لكنها تعود إلى بيتها محطمة.
يعود أنطونيو من جديد للظهور في حياة مليكة ويخبرها أنه يحبها وأن الفتاة التي صاحبتها فى المطعم لم تمكن سوى"موديل" فتطلب منه إشهار إسلامه لتوافق على الارتباط به والزواج به فيتفقان على الزواج مدنيا في إسبانيا قبل التوجه إلى القاهرة لإشهار إسلام أنطونيو.
يصل أمر العلاقة بين مليكة وأنطونيو إلى حسام الشقيق الأصغر لمليكة والذى انضم إلى الجماعات المتشددة وهنا تتخذ الأحداث بعدا آخر وهو بعد المواجهة والعقدة الرئيسة في الرواية وهي المواجهة بين تقاليد الشرق والغرب وبين التطرف والتسامح عبر نموذجين من أسرة واحدة نشأت وترعرعت على ضفاف نيل أسوان حتى ينتهى الأمر بمواجهة قاتلة بين حسام وزوج أخته أنطونيو تنتهى بمأساة وطفل هو البقية الباقية مما جرى وهو آدم ذو الملاح الإسبانية المصرية.
العبارات الأندلسية التي تخللت الأحداث عملت بمثابة نقاط وصل بين مراحل تطور الرواية ومنها على سبيل المثال شعر ابن زيدون وكأنه لا يتبقى في النهاية سوى الشعر ومن الأبيات التى زينت الرواية:
يامن غدوت به في الناس مشتهرا
قلبي عليك يقاسي الهم والفكرا
إن غبت لم ألق إنسانا يؤنسني
وإن حضرت فكل الناس قد حضروا
وكأنه الحب
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة