جاءت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي في عام 2022 إلى حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني لتمثل خطوة جديدة تضاف إلى مجموعة من الخطوات المهمة في إطار بناء نموذج مصري في الانفتاح والإصلاح السياسي، ورغم أن الإقليم قد شهد دعوات إلى حوارات وطنية، لكن ظل للنموذج والحالة المصرية نقاط تمايزها عن الحالات الجارية في الإقليم.
نجح مجلس أمناء الحوار الوطني، في إنجاز العديد من الخطوات تمهيدا لبدء الحوار الفعلي، بدءا من تجاوز محاولات تسييس الحوار والانتصار لطبيعته الشاملة، من خلال تضمينه القضايا السياسية جنبا إلى جنب مع القضايا الاقتصادية والمجتمعية، وانتهاء بتجاوز الإشكاليات التي واجهته، سواء من خلال فلسفة تأسيس مجلس الأمناء، أو تحديد المرجعيات الحاكمة للحوار، أو اعتماد مجموعة من الوثائق المنظمة لعمل مجلس الأمناء واللجان الفرعية.
حقيقة الأمر، إن متابعة تطور الحياة السياسية والاقتصادية فى مصر، منذ عام 2014 وحتى الآن، تشير إلى أن هناك "نموذجًا" فى التطور الاقتصادى والسياسى المصرى، هذا النموذج تتضح ملامحه مع الوقت، ويجرى وفق أولويات وفلسفة محددة، فى البداية، كان التركيز على أولوية "تثبيت الدولة"، التى تعرضت مؤسساتها لتحديات ضخمة، على خلفية أحداث يناير 2011، ثم فترة نظام الإخوان وحلفائهم، الذين حاولوا فرض مشروعهم السياسى الخاص على الدولة والمجتمع، وما تبع ذلك من موجة إرهاب واسعة عقب إزاحة هذا النظام فى عام 2013، بالتوازى، مع أولوية تثبيت الدولة ومواجهة الإرهاب، كانت هناك أولوية أخرى، هى تسريع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التى اعتمدت على توفير شرطين أساسيين؛ هما: تنمية وتحديث البنية التحتية والمؤسسية، والإصلاح الاقتصادى والمالى الذى بدأ تطبيقه بدءا من نوفمبر 2016.
وركزت الدولة خلال السنوات الثمانى الماضية على حزمة كبيرة من المشروعات القومية التى طالت جميع الأقاليم المصرية ومختلف القطاعات الاقتصادية، جنبًا إلى جنب مع برنامج الإصلاح الاقتصادى والمالى لإنهاء التشوهات التى طالت الاقتصاد المصرى، والتى تراكمت عبر العقود، وإصلاح البيئة التشريعية ذات الصلة. الآن، وبعد إنجاز العديد من الاستحقاقات على مستوى هاتين الأولويتين، ينتقل هذا «النموذج المصرى» إلى ما يمكن وصفه باتخاذ خطوة أخرى إلى الأمام على صعيد الإصلاح السياسى، من خلال الفتح التدريجى للمجال العام، وخلق حالة من الحراك السياسى، فى إطار متوافق عليه بين القوى الوطنية، ومن خلال مراجعة القوانين المنظمة للحياة السياسية، جنبًا إلى جنب مع الانتقال إلى عملية إصلاح هيكلى للبيئة الاقتصادية.
ومن مميزات الحوار الوطني، عرض الحكومة بيانها في مجلس النواب والتي استند إلى رؤية مصر 2030، وأيضًا استند لمخرجات الحوار الوطنى، وهذا منهج جديد خصوصًا أن الحوار الوطنى كان معبراً عن آراء وطموحات المواطنين، لافتا أن ما أنتجه الحوار الوطنى بالفصائل الوطنية التى ساهمت فيه، دليل على قوة وموضوعية المقترحات والتوصيات التى شارك الجميع فى إعدادها، حيث أسند الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، مهمة التواصل السياسى إلى المستشار محمود فوزى وزير المجالس النيابية، وهى مهمة مستحدثة تشير بقدر كبير إلى الاهتمام بالمشاركة السياسية والانفتاح على القوى الاجتماعية المختلفة، كالأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى والشباب والمرأة، بما سيفضى إلى إحراز تقدم فى ملفات عديدة، لتفعيل المادة 53 من الدستور بإنشاء مفوضية مكافحة التمييز وملف سجناء الرأى وتشريعات الحبس الإحتياطى.
الحكومة المصرية كان عليها دور كبير في تنفيذ مخرجات وتوصيات الحوار الوطنى بشكل عاجل وفورى، وبمجرد حلف اليمين أمام رئيس الجمهورية.
مخرجات الحوار الوطني النهائية أسهمت لبناء أولويات وطنية خلال المرحلة الماضية؛ فإن الحوار يلعب دورًا لا يقل أهمية فى بناء التوافق بين القوى السياسية المندمجة فيه، وهو ما تحقق بالفعل من خلال جلسات مجلس الأمناء التى مثلت فرصة مهمة للتواصل المباشر بين ممثلين عن تيارات سياسية وفكرية مختلفة؛ كان التوافق فيما بينها هو القاعدة الأساسية التى حكمت عملها خلال مرحلة الإعداد للحوار، بدءًا من التوافق على القواعد المنظمة له، وانتهاء بالتوافق على أجندته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة