فى مثل هذا اليوم 8 يونيو من عام 1867، صدر فرمان تغيير اسم حاكم مصر حيث أصبح يلقب بالخديوي، وظل هذا اللقب سائدًا حتى عام 1914 عندما تغير إلى سلطان، وكان أول من قلب به هو الخديوي إسماعيل وتمتع بموجب هذا الفرمان ببعض الاستقلال في إدارة شئون البلاد الداخلية والمالية وأصبح له الحق في عقد المعاهدات الخاصة بالبريد والجمارك ومرور الأفراد والبضائع وشؤون الضبط للجاليات الأجنبية، وما نستعرضه عبر السطور المقبلة كيف حصل إسماعيل على لقب الخديوى.
"بداية القصة"
بعد أن تولى إسماعيل ببضعة أسابيع زار مصر السلطان «عبد العزيز»، فكان أول من زارها من سلاطين آل عثمان من عهد سليم الأول؛ فاحتفل به إسماعيل باشا احتفالًا كبيرًا، واجتهد في أن تكون هذه المقابلة فاتحةً لعلاقات ودِّية بينه وبين الباب العالي. وبعد أن عاد السلطان إلى الأستانة أخذ إسماعيل باشا يسعى سرًّا للحصول على أغراض يرمي إليها لتعزيز ملكه، واستعان على نيلها بالمال كلما وجد إلى ذلك سبيلًا؛ فسعى لدى الباب العالي في شأن تغيير القانون الصادر به تقليد سنة 1841م بشأن وراثة عرش مصر، وهذا القانون يقضي بأن يئول العرش لأكبر فرد في الأسرة بشرط موافقة الباب العالي.
ويقول كتاب "تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قُبيل الوقت الحاضر" لعمر الإسكندرى والمؤرخ الكبير سليم حسن، فلما رأى إسماعيل أن ذلك ربما يحدث فتنًا بين أفراد الأسرة من أجل العرش — بالسعي لدى الباب العالي، أو بقتل بعضهم بعضًا — طلب إلى الباب العالي أن يجعل الوراثة لأكبر أولاد الخديوي بلا شرط ولا قيد، ليحسم كل نزاع بين أفراد الأسرة في هذا الشأن، فلم يقبل الباب العالي ذلك في أول الأمر، لعلمه أنه ينقص من نفوذه في مصر، فإن هذه المزية لم تتمتع بها الأسرة المالكة في تركيا نفسها، وزار إسماعيل القسطنطينية وسعى بنفسه في الأمر فلم يفلح، ولكن عزيمته لم تفتر، وذهب إليها في زيارة أخرى أجزل فيها العطاءَ فنال مرادَه، وأصدر الباب العالي عهدًا بجعْل الوراثة في أكبر أنجال الخديوي في 12 المحرم سنة 1283ﻫ/27 مايو سنة 1866م)، وذلك في مقابل زيادة الجزية التي تدفعها مصر من 320000 إلى 600000 جنيه.
"منح إسماعيل لقب خديوى"
وسعى أيضًا إسماعيل باشا لدى الباب العالي ليمنحه لقبًا أرقى من «الباشا» المعتاد، وكان غرضه من ذلك تثبيتَ امتياز مصر عن باقي ولايات الدولة، وهو ذلك الامتياز الذي حصَّله محمد علي بتقليد سنة 1841م، فمنحه السلطان لقب «خديوي» في (ربيع الأول سنة 1284ﻫ/يوليو سنة 1867م). وهو لفظ فارسي الأصل معناه الأمير العظيم، وكان يمنحه الفرس لحاكم الهند في عهد حكمهم لها، وبعدُ فما زال الخديوي يسعى لدى الباب العالي في اكتساب امتيازات جديدة بفضل ما كان يبذله من المال، حتى أصدر الباب العالي في ربيع الآخر سنة (1290ﻫ/1873م) عهدًا مثبِّتًا كل الحقوق التي منحها للخديوي بمقتضى العهود السابقة، وبهذا العهد أيضًا اعترف الباب العالي باستقلال الخديوي استقلالًا تامًّا بشئون مصر الداخلية، وأذن له بأن يعمل بدون استشارته في قرض الديون، وعقد المخالفات التجارية وغيرها مع الدول الأجنبية، ما دامت تلك المحالفات لا تناقض مصلحة الدولة ولا محالفاتها السياسية مع الدول، وأن يزيد جيشه حسب ما يراه صالحًا، على شرط أن لا يكون في أسطوله مدرعات، وقد زادت الجزية المصرية في مقابل ذلك إلى 665000 جنيه.
ولا شك أن مثل هذا العهد كان من الممكن أن يعود على مصر بأعظم الفوائد، إذ يكون من أكبر الدواعي التي تحمل كل خديوي لمصر على أن يسهر على ما فيه صالح البلاد، كي يترك وراءه ملْكًا منظمًا ثابت الأركان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة