حين أكتب عن ثورة 30 يونيو، لا أكون بصدد وصف مشهد سياسى تاريخى عظيم فحسب، بل أراها فى سياق إنسانى أشمل وأعمق، لقد كانت الأوضاع قبل ثورة 30 يونيو تموج بالتحديات الحياتية، وصحيح أن خروج المصريين بالملايين إلى الشوارع حينها كان فى جزء منه اعتراضا على تردِّى الظروف الحياتية، لكن السبب الأهم لخروج المصريين حينها كان للاحتجاج والاعتراض على محاولات اختطاف هوية مصر الإبداعية وشخصيتها الدينية المعتدلة، هذه المطالب التى ساندها جيش مصر العظيم، وقام بدوره على أكمل وجه فى حماية المواطنين والدفاع بإخلاص عن بلادنا وأمنها وسلامة مواطنيها. فمصر بلد عظيم وكبير، غنى بالتعددية والتنوع والتسامح، ذو تراثٍ حضاريٍّ كبير، لا ينحصر فقط فى الآثار والمتاحف، رغم عظمتها، لكنه متغلغل فى الشخصية المصرية.
وحين أسترجع السنوات الإحدى عشرة الماضية، تتوارد إلى ذهنى العديد من الذكريات والأحداث؛ أتذكر هول التحديات التى واجهت مصر، أتذكر أحداث الإرهاب العنيفة التى حصدت عشرات الأرواح واستشهد على أثرها كثيرون من أبناء الوطن -مسلمين ومسيحيين- ورجاله سواء فى القوات المسلحة أو الشرطة، أتذكر التحديات الاقتصادية العالمية التى نتجت عن وباء كورونا والحروب المتتالية فى أماكن عدة من العالم، والتى لم تنتهِ آثارها حتى هذه اللحظة. أتذكر دول المنطقة المحيطة بمصر، والتى تموج بالتحديات والظروف الإنسانية الصعبة، أتذكر كل هذا وأرى رباطة الجأش لدى المصريين، وقوة التحمل والصبر، وحب الوطن والتكاتف فى مواجهة الأزمات، والإصرار على بناء مستقبل هذه البلاد، هذه الخصال النبيلة تشير بوضوح جليٍّ للوعى الذى تتميز به الشخصية المصرية.
مع هذه التحديات، أتذكر خطوات جادة كثيرة اتخذتها الدولة المصرية، واستطاعت رغم التحديات أن تحرز تقدمًا فى العديد من المجالات، أتذكر التغلب على الإرهاب وتحقيق الأمن، أتذكر ما تحقق من إنجازات فى البنية التحتية وتطوير الطرق، وبناء مدن جديدة لتستوعب الزيادة السكانية. أتذكر ما اتُّخذ من خطوات فى تعزيز المواطنة، من تقنين أوضاع الكنائس وإصدار قانون لبناء دور العبادة. أتذكر أزمات صدَّرها لنا الماضى تعمل الدولة بجهد حثيث للتعامل معها من جذورها. أتذكر مواقف دولية مشرِّفة تجاه قضايا المنطقة، مثل القضية الفلسطينية، وكيف عبَّرت مصر عن شخصيتها الحضارية العظيمة فى هذه الأزمات وسارعت لإرسال المعونات والتوسط لإيجاد حلول للأزمة، والتمسك بالحق التاريخى للشعب الفلسطينى فى أرضه، وهذا ليس غريبًا على دولة كبيرة بحجم مصر، كل هذه الخطوات كانت فى إطار السعى نحو بناء الجمهورية الجديدة، وبناء الشخصية المصرية لأجل مستقبل أفضل لبلادنا.
ربما لا تزال التحديات التى تواجهها مصر صعبةً، فالعالم كله يواجه أزمات كبيرة، وكل الدول لديها ما لديها من مشكلات وصعاب، لكن ما يفرق بين دولة وأخرى هو الشعب، وما لديه من مخزون من الوعى. والشعب المصرى له رصيد كبير من الوعى، شعب محبٌّ لوطنه، يدرك قيمة الوطن، ويسعى بإخلاص وجهد لتحقيق نهضة هذا الوطن، شعب لديه إرادة وعزيمة صلبة، شعب متكاتف لا تهزه فتن ولا وقيعة، هذا هو العمود الفقرى وصمام الأمان لأى بلد.
أثق دائمًا أن مصر قادرة على اجتياز أى تحدٍّ، فتاريخها المجيد يشهد بذلك، وذكرى 30 يونيو تؤكده، أثق أن كل التحديات التى نواجهها هى مثل مرحلة مخاض ستخرج منها البلاد أقوى؛ لأن مصر تستحق الأفضل دائمًا، والمواطن المصرى يستحق الأفضل دائمًا، كما أصلى دائمًا لأجل مصر، لأجل سلامها وأمانها، ولأجل حكمه لقياداتها فى اتخاذ القرارات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة