مجدى أحمد على

30 يونيو.. ثورة مصر الكبرى

الأحد، 30 يونيو 2024 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ليس الأمر مجرد ذكريات أثارتها شجون الثورة التى انطلقت من كل مدن مصر وقراها، ترفض أن تحتلها قوى الظلام التى جثمت على صدور المصريين ما يزيد عن العام كشفت فيه الجماعة الحاكمة عن وجهها الحقيقى، وأدرك الشعب بكل طوائفه أبعاد الكارثة القادمة، بعد أن علمته تجربة العام الواحد أن حلم الحرية لا يمكن أن يتحقق على أيدى محتكرى الحقيقة المطلقة ولا على أيدى مناصريهم من قوى التخلف فى المنطقة بما فيهم الغرب الرأسمالى الذى رأى أن وصول هذه القوة إلى السلطة فى أكثر من دولة عربية هو بداية تفكيك المنطقة بأجمعها.

كانت ثورة 25 يناير العظيمة قد تم اختطافها بالكامل لصالح هذه القوى الظلامية تمهيدا لشرق أوسط جديد تنتهى فيه للأبد دعاوى التحرر الوطنى والدولة العصرية الحديثة وترتكز على تقسيم المنطقة كلها إلى أقاليم عرقية واثنية ودينية متناحرة ليظل الإقليم كله مجرد مساحة وسوق لبضاعة بدأت تفقد رواجها وازدهارها.


ولم تكن المرة الأولى - كما أشيع – أن كان للمثقفين والفنانين المصريين دورهم البارز فى الحركة الوطنية فمن ينسى سيد درويش وبيرم فى ثورة 1919 ومن ينسى معارك التنوير التى خاضها طه حسين وسلامة موسى وغيرهم ومن ينسى سجون دولة الاحتلال التى ضجت بالمثقفين المصريين منذ بداية القرن.. وقبل 30 يونيو كان الحراك الاجتماعى والسياسى والثقافى على أشده.. فالثورات لا تنفجر فجأة.. انتشرت المظاهرات والاضرابات وساهمت الصحافة بهامش حريتها الضئيل فى بث الوعى بضرورة التغير بل وحتميته.. هنا سوف ألقى بعض الضوء على أحداث عشتها بنفسى قبل الثورة وبعضها انقاذا لهذه الأحداث من عصف النسيان وتلاشى الذاكرة خاصة أن ما كتب للتأريخ لهذه الأحداث شديدة الندرة ويحمل بطبيعته وجهة نظر معاصريه.. فكتاب الفنان عصام السيد ومقالات الأستاذ أشرف عبد الشافى هما فقط ما أتذكرهما عن سرد أحداث اعتصام وزارة الثقافة الذى بدأ فى أوائل شهر يونيو وحدد أن موعد انطلاق الثورة هو 30 يونيو فى سابقة لا أظن ثورة فى العالم قبلها قد شهدته.

كنت قد قبلت ترشيح دكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة لتولى منصب رئيس المركز القومى للسينما بعد أن صدر قرار تعينى رئيسا لقطاع الإنتاج الثقافى وذهبت بالفعل إلى المبنى حيث وجدته منصبا لا ضرورة له سوى الإشراف على جهد آخرين والتوقيع على ميزانيات لا دور لى فى صياغتها... إلخ.

المهم أنى لم أمكث كرئيس لقطاع الإنتاج الثقافى سوى ساعات قليلة فى المكتب ثم عدت لمنزلى وحدثت دكتور شاكر برفض المنصب الذى لن أضيف فيه شيئا للفن أو الثقافة فما كان منه إلا أن عرض على دكتور شاكر منصب رئيس المركز القومى للسينما الذى كان يشغله خالد عبد الجليل.. وافقت فورا بشرط موافقة دكتور خالد عبد الجليل الذى رحب كثيرا بالمنصب الأعلى درجة والذى يتحكم بتوقيعه على كل شئون المركز وخاصة المالية منها.

وكان مهرجان الإسماعيلية أول التحديات فى 2012، وفى ظل الفوضى السياسية والشعبية التى كانت تمهد لانتخابات نظم الاخوان المسلمون انفسهم للفوز بها بينما انشغلت القوى السياسية الأخرى فى التناحر فيما بينهم والبقاء فى الميدان أيقونة الثورة!!
ولما ذهبت إلى محافظة الإسماعيلية للإعداد للمهرجان التقيت السيد المحافظ الذى فاجأنى بأن المحافظة ترى ضرورة إلغاء المهرجان هذا العام بل وأن المسرح العظيم والمجهز للعروض سوف يتم تفكيكه لأجراء محاكمات "الأولتراس" وأن عملية التفكيك جارية الآن.. ويشهد مساعدى "وائل" والسيد المحافظ نفسه أنى رفضت بصرامة عملية تفكيك المسرح وتخريبه وأنى سأعلن ذلك لجمهور الإسماعيلية وسوف تكون هناك وقفة احتجاجية لمنع ذلك كما أن إقامة المهرجان أمر مفروغ منه لأثبات أن الدولة لا تخاف الإرهاب أو البلطجة أو مصادرة الفن الذى بدأت معركته مع القوى الإخوانية.

نجحنا فى إقامة الدروة رغم كل شيء وعرضنا فيها فيلما نادرا لشادى عبد السلام نجح فى إعادة مونتاجه الدكتور مجدى عبد الرحمن ليكون فيلم افتتاح المهرجان كما نجحنا فى دعم مشاريع انتاج أفلام سينمائية بمبلغ 20 مليون جنيه مقدمة من وزارة المالية فانتح المركز للمرة الأولى والأخيرة أو ساعد فى عمل 36 فيلما بين روائى وتسجيلى وروائى قصير تحريك وفى انقاذ المادة الخام التى صورها العبقرى شادى عبد السلام ضمن أموال الدعم المذكور.

أما أكثر اللحظات حزنا فى حياتى فكانت إعلان فوز محمد مرسى برئاسة مصر فى اليوم الختامى لمهرجان الإسماعيلية وكنت قد لاحظت الوجوه المتجهمة فى شوارع المدينة التى كانت مسقط راس الجماعة ومؤسسها حسن البنا.. ورغم هذا الحزن تنفست الصعداء لأنى استطعت أن أعيد الضيوف الأجانب بالمهرجان إلى بلادهم سالمين بعد أن كاد الفزع يخلع قلوبهم لرؤية مناظر الدبابات فى الشوارع وتهديد الجماعة المجرمة بحرق البلد اذا لم يفز مرشحهم.
توالت الأحداث وخلفنى فى المنصب المصور كمال عبد العزيز وعينت حكومة الاخوان شخصا يجهله كل المثقفين من كتاب جريدة لشعب الاخوانية وزيرا للثقافة..فبدأ بعد قليل من الوقت فى تصفية القامات الثقافية التى تقود الوزارة ففصل السيدة إيناس عبد الدايم رئيس الاوبرا المصرية ثم الدكتور احمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب وغيرهم من القيادات وبدأت مظاهر غضب المثقفين والفنانين تتجسد فى حركات احتجاج ومظاهرات صغيرة تهدف لحصار هذا الوزير وارغامه على الاستقالة او تصحيح اجراءاته وكانت هناك بعض الطرائف فى عمليات الحصار بين الإحاطة بمبنى الوزارة ليوم كامل ومنعه من الخروج لبرنامج على الهواء مع لميس الحديدى التى اكتفت بمحادثته تلفونيا فقال لها أن بعض الغوغاء يحيطون بالمبنى وانه سعيد بسماع الهتافات واغانى الشيخ امام !!وعندما أرسل العامل لشراء وجبة أسماك داخل الوزارة غنى له المحاصرون (السمك مقلى كل وبرقلى صنف زى الفل..)

كما حدث مرة أخرى أن علم بعض الأصدقاء أنه يتناول طعامه فى مطعم فلفلة بوسط البلد فذهبوا إليه وتجمعوا حول المطعم ومنعوه من الخروج حتى نجح العاملون فى تسريبه خفية من الباب الخلفى.

ولما فشلت كل المحاولات السلمية لإثناء الوزير الإخوانى عن إجراءاته القمعية قرر بعض الفنانين والادباء والمثقفين أن يكرروا تجربة الاعتصام الشبيه باعتصام القانون 103 داخل نقابة السينمائيين فى الثمانينات.. تولى خالد يوسف ومحمد العدل وسيد فؤاد تنظيم الدخول بشكل بسيط لا يثير ريبة لمقر الوزارة لبعض القامات الثقافية الكبرى من الصعب ردها مثل بهاء طاهر وصنع الله إبراهيم وسيد حجاب وفتحية العسال ومحمود قابيل وجلال الشرقاوى واحمد شيحة وناصر عبد المنعم وحنان مطاوع وعصام السيد وسامح الصريطى واحمد نوار ومحمد فاضل وفردوس عبد الحميد وهالة خليل وأحمد ماهر ويوسف القعيد ومحمد هاشم وأسامة عفيفى وسعد القرش ومنال محى الدين واختار المنظمون يوم الأربعاء باعتباره يوم اجتماع مجلس الوزراء حيث تخف الإجراءات الأمنية بمقر الوزارة.

وعندما تطاير الخبر كانت قاعات وزارة الثقافة فى المساء قد امتلأت بالمثقفين والفنانين من الجيل المتوسط والاصغر وانضم موظفو الوزارة إلى الاعتصام حيث لم نطالبهم بشيء سوى الحفاظ على مستندات الوزارة واغلقنا غرفة الوزير وبدا الاعتصام فى وجود الجميع بما فيهم أمن الوزارة نفسه الذى أعلن حياده وأنه لن يحاول قمع الاعتصام بالقوة.

كان اليوم التالى "الخميس" هو يوم افتتاح مهرجان الإسماعيلية وكان مفروضا أن يفتتحه الوزير الإخوانى ولم يكن كمال عبد العزيز بإمكانه الاعتراض فسافرت مع مجموعة قليلة من الأصدقاء ورددنا الهتافات امام القاعة وأخبرت قيادات الأمن الموجودة خارج القاعة أن وصول الوزير الآن سوف يفجر أزمة لا يريدها أحد، ورجوتهم أن ينصحوه بالعدول عن المجيء إلى الإسماعيلية لأسباب أمنية وهو ما حدث.

بدأ المهرجان وصعدت إلى المنصة واخذت الميكرفون من الصديق كمال عبد العزيز وهتفت (يسقط حكم المرشد) وهتف الجميع ورائى وأعلنت أننا نفتتح دورتنا الجديدة بدون وزير يمثل الظلام لا الفن ولا الجمال.

وعدت فى منتصف الليل، لأنضم صباح اليوم التالى إلى اعتصام وزارة الثقافة، أما ما حدث فى الاعتصام وفيه الكثير من الطرائف والعجائب فهذا حديث آخر.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة