احتاط جنود الأمن المصريون بأقفاص المتهمين فى حادثة دنشواى، وأعلنت المحكمة افتتاح الجلسة صباح 27 يونيو «مثل هذا اليوم عام 1906»، حسب «مجلة المجلات العربية» فى عددها التذكارى عن «حادثة دنشواى» الصادر «أول فبراير 1908»، وكانت المحكمة تستعد لإصدار أحكامها فى ختام الجلسات التى استمرت ثلاثة أيام وبدأت من يوم 24 يونيو.
أعادت مجلة المجلات العربية، نشر التغطية التى قدمها الصحفى «أحمد حلمى أفندى» للحدث يوميا من موقع المحاكمة، ونشرتها جريدة «اللواء» التى أسسها وترأسها الزعيم مصطفى كامل، وعن يوم إصدار الحكم، قال: «اصطف الجنود الإنجليز حول مكان الجلسة، وأغمى على متهم وأصيب بنوبة عصبية، ثم أمر الرئيس «بطرس باشا غالى» سكرتير المحكمة، بقراءة الحكم، وكان مكتوبا فاستهله باسم الجناب الخديوى، ثم سرد وقائع الدعوى كشهادة الضباط تماما، ووصف الجريمة بأنها كانت عن عمد وسبق إصرار ظاهر، وقال إنه كان فى إمكان الضباط المعتدى عليهم صيد الأهالى بأسلحتهم صيد حمامهم، ثم حصر التهمة فى المحكوم عليهم، وقال إنهم لم يتركوا بعملهم الفظيع محلا للشفقة لأنهم لم يكونوا من المشفقين على الضباط، وصور الواقعة أنها قتل سبقه أو أقرن به، أو تلاه جريمة السرقة بالإكراه وهى جريمة معاقب عليها فى القانون المصرى».
قدمت المحكمة حيثيات حكمها قبل النطق به، وقالت فى بدايته: «فى قضية التعدى الذى وقع من بعض أهالى دنشواى بمركز شبين الكوم بمديرية المنوفية فى يوم 13 يونيو سنة 1906، بالناحية المذكورة على خمسة ضباط من جيش الاحتلال الذى نشأ عنه قتل أحدهم وكسر ذراع آخر وإصابة الباقين، وبعد سماع أقوال الاتهام وشهادة الشهود وأقوال المتهمين والمدافعين عنهم، وبعد الاطلاع على أوراق الدعوى وبعد المداولة فيها، فإن هذه الجريمة وقعت على ضباط جردوا أنفسهم من السلاح، وأصبحوا لا حول لهم إلا النجاة وهم لا ينالونها مع ما بذلوه من المجهود ولم يبد منهم عداء ولم يقع منهم قول أو تصدر منهم إشارة توجب حنق المعتدى حتى ينكلوا هذا التنكيل، وحيث إنه مما يزيد فى شناعة هذه الجريمة أنها وقعت على ضباط عرفوا بالبسالة وجابوا مواقع الحروب، وكان فى إمكانهم صيد المعتدين بدل صيد حماماتهم، ولكنهم ظنوا جميلا فسلموا عدتهم ليسلموا، فكان العطب فيما فعلوه».
وأضافت المحكمة فى حيثياتها: «حيث إن المحكمة قضت ثلاثة أيام تسمع فيها هذه الدعوى وشهادة الشهود وأقوال الاتهام والدفاع عن المتهمين، وقد ثبت لها أن المجرمين فى هذه الحادثة هم، حسن على محفوظ، ويوسف حسين والسيد عيسى سالم ومحمد درويش زهران، ومحمد عبدالنبى المؤذن، وأحمد عبدالعال محفوظ، وأحمد محمد السيسى، ومحمد على أبو سمك، وعبده النقلى، وعلى على شعلان ومحمد مصطفى محفوظ ورسلان السيد سلامة، والعيسوى محمد محفوظ، وحسن إسماعيل السيسى، وإبراهيم حسانين السيسى ومحمد النباشى، والسيد على والسيد الموفى وعزب عمر محفوظ، والسيد سليمان خير الله، وعبدالهادى حسن شاهين ومحمد أحمد السيسى، وحيث إن هؤلاء المتهمين لم يتركوا بعملهم الفظيع هذا محلا للشفقة فما كانوا من المشفقين، وحيث إن رؤساء هذه الواقعة هم الأربعة الأولون فهم الذين أهاجوا الأهالى، حكمت المحكمة حضوريا حكما لا يقبل الطعن ضد:
أولا - حسن محفوظ ويوسف حسين سليم والسيد عيسى سالم ومحمد درويش زهران بالإعدام شنقا فى قرية دنشواى، وثانيا - حكمت ضد محمد عبدالنبى المؤذن وأحمد عبدالعال محفوظ بالأشغال الشاقة المؤبدة، وثالثا - حكمت ضد أحمد محمد السيسى بالأشغال الشاقة المؤبدة 15 سنة، ورابعا - حكمت ضد على محمد على أبو سمك وعبده البقلى وعلى على شعلان ومحمد مصطفى محفوظ ورسلان السيد والعيسوى محمد محفوظ بالأشغال الشاقة سبع سنين، وخامسا - حكمت ضد حسن إسماعيل السيسى وإبراهيم حسانين السيسى ومحمد السيد على بالحبس مع التشغيل سنة واحدة وبجلد كل واحد منهم خمسين جلدة، وأن ينفذ الجلد أولا بقرية دنشواى، وسادسا - حكمت ضد السيد الفولى وغريب عمر محفوظ والسيد سليمان خير الله وعبدالهادى حسن شاهين ومحمد أحمد السيسى بجلد كل واحد منهم خمسين جلدة بقرية دنشواى أيضا، وسابعا - حكمت ببراءة باقى المتهمين وأمرت بالإفراج عن المتبرئين فورا إن لم يكونوا محبوسين بسبب آخر».
يؤكد عبدالرحمن الرافعى، فى كتاب «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية»، أن هذا الحكم قوبل بالدهشة لصرامته، ولأنه فاق كل ما كان يتوقعه المتشائمون وخلا من كل إنصاف وعدل، إذ كانت الحادثة راجعة أصلا إلى عدوان الضباط البريطانيين، ولم يقع اعتداء من الأهالى إلا بعد أن أصيبت إحدى نسائهم وحرق جرن لهم، ولم يمت من الضباط الإنجليز سوى ضابط واحد ثبت من تقرير الطبيب الشرعى الإنجليزى أن سبب الوفاة هو ضربة شمس أصابته من شدة الحر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة