أيهما أفضل القيام بعمرة التطوع أو الإنفاق على الفقراء والمحتاجين؟.. دار الإفتاء توضح رأى فقهاء المذاهب الأربعة فى ذلك.. وتؤكد: من المقرر فقها أن العبادة المُتَعَدِّيَةَ أفضل من القاصرة غالبا

الثلاثاء، 25 يونيو 2024 09:00 ص
أيهما أفضل القيام بعمرة التطوع أو الإنفاق على الفقراء والمحتاجين؟.. دار الإفتاء توضح رأى فقهاء المذاهب الأربعة فى ذلك.. وتؤكد: من المقرر فقها أن العبادة المُتَعَدِّيَةَ أفضل من القاصرة غالبا دار الإفتاء المصرية
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الإنفاق على الفقراء والمحتاجين أفضل من عمرة التطوع

يظن البعض أن الذهاب لأداء العمرة أو الحج بشكل متكرر أفضل الأعمال، ورغم أن كل إنسان من حقه أن يقرر ما يريده فى هذا الجانب، إلا أن سؤالا هاما أجابت عنه دار الإفتاء بالتفصيل وهو : أيهما أفضل: القيام بعمرة التطوع أو الإنفاق على الفقراء والمحتاجين؟، وجاء رد الدار بالآتى:

الإنفاق على الفقراء والمحتاجين أفضل من عمرة التطوع، وقواعد الشريعة وحكمة الله تعالى واضحة فى توجيه العباد إلى فعل الخير على أساس تقديم الأهم والأصلح، وذلك يقتضى بأن يُقَدِّمَ السائلُ مصالحَ وحاجاتِ إخوانه من الفقراء والمحتاجين الذين هم فى مسيس الحاجة إلى ما يؤويهم، وما يستعينون به على قضاء حوائجهم الضرورية.


 

فضل العمرة وبيان حكمها وحكم تكرارها

العمرةُ مِن أفضل العباداتِ التى يتقرب بها الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى؛ لِمَا فيها من تكفيرِ الذنوب وإجابة الدعوات؛ فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّة» متفق عليه.

وتَكرار العمرة والموالاة بينها أمرٌ جائزٌ شرعًا، وهو مَذهَبُ جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، وذلك خلافًا للمالكية الذين نصوا على كراهة ذلك فى المشهور عندهم، والجواز فى غير المشهور.

والعمرة سُنَّةٌ مؤكدةٌ فى العمرِ مرة واحدة، وما زاد عن ذلك فهو مندوب، وهو ما ذهب إليه الحنفية -فى الصحيح من مذهبهم- والمالكية، والشافعية فى قولٍ، والحنابلة فى روايةٍ، وهو المختار للفتوى.

وذهب الشافعية فى الأظهر، والحنابلة فى الصحيح من المذهب إلى أنها واجبة؛ كالحج.

الأفضلية بين عمرة التطوع والإنفاق على الفقراء والمحتاجين

أحب النفقة إلى الله تعالى ما كانت أنفعَ للناس وأجدى فى إصلاح أحوالهم؛ فعن ابن عباسٍ رضى الله عنهما قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أفضل الأعمال إلى الله تعالى، فقال: «مَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُؤْمِنٍ سُرُورًا؛ إِمَّا أن أَطْعَمَهُ مِنْ جُوعٍ، وَإِمَّا قَضَى عَنْهُ دَيْنًا، وَإِمَّا يُنَفِّسُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرَبَ الْآخِرَةِ، وَمَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا أَوْ تَجَاوَزَ عَنْ مُعْسِرٍ؛ ظَلَّهُ اللهُ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِى نَاحِيَةِ الْقَرْيَةِ لِتَثَبُّتِ حَاجَتِهِ ثَبَّتَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامُ، وَلَأَنْ يَمْشِى أَحَدُكُمْ مَعَ أَخِيهِ فِى قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَفْضَلُ مِنْ أن يَعْتَكِفَ فِى مَسْجِدِى هَذَا شَهْرَيْنِ وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ» أخرجه الحاكم فى "المستدرك".

وعن السيدة فاطمة بنت قيس رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ فى المالِ لَحَقًّا سِوى الزَّكاةِ»، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِى الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]. أخرجه الترمذى فى "السنن".

قال الإمام أبو بكر الجَصَّاص فى "أحكام القرآن" : [المفروض إخراجه هو الزكاة، إلَّا أن تحدث أمورٌ توجب المواساةَ والإعطاءَ؛ نحو: الجائع المضطر، والعارى المضطر، أو ميتٌ ليس له مَن يُكفِّنه أو يُواريه] اهـ.

ومن المقرر فقهًا أن العبادة المُتَعَدِّيَةَ أفضل من القَاصِرَةِ غالبًا؛ كما فى "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطى، وهذا ما فهمه جماعةٌ من السلف الصالح حين نصُّوا على أن الصدقة أفضل من التطوع بالحج، ومثله العمرة؛ لأن الصدقة عبادةٌ متعدية، أما الحج والعمرة تطوعًا؛ فعبادتان قاصرتان على صاحبهما، فروى أبو بكر بن أبى شيبة فى "المصنف" عن سيدنا الحسين بن على عليهما السلام قال: "لَأَنْ أَقُوتَ أَهْلَ بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ صَاعًا كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ كُلَّ يَوْمٍ صَاعَيْنِ شَهْرًا، أَحَبُّ إلى مِنْ حَجَّةٍ فِى إِثْرِ حَجَّةٍ".


نصوص فقهاء المذاهب الأربعة فى ذلك
هذا أيضًا ما تواردت عليه عبارات الفقهاء فى المذاهب الأربعة، فإنهم وإن تكلموا عن التطوع بالحج؛ إلا أنه يشمل التطوع بالعمرة أيضًا بطريق الأولى.

فعند الحنفية أن تقديم الصدقة أيام الغلاء وشدة احتياج الفقراء؛ أفضل من التطوع بالحج، قال ابن نُجَيْم فى "البحر الرائق" : [قلت: قد يقال: أن صدقة التطوع فى زماننا أفضل... ولا سيما فى أيام الغلاء وضيق الأوقات، وبتعدى النفع تتضاعف الحسنات] اهـ.

وعند المالكية: تقديم الصدقة على حج التطوع أفضل فى سَنة المجاعة؛ بناءً على أن التوَقِّى من إثم تضييع الفقراء مقدمٌ على تحصيل أجرِ حج النافلة، كما نصَّ عليه الإمام مالك.

قال الإمام ابن رشد الجد فى "البيان والتحصيل" : [وإنما قال: أن الحج أحب إليه من الصدقة، إلا أن تكون سَنة مجاعة؛ لأنه إذا كانت سَنة مجاعة، كانت عليه المواساة، فالصدقة واجبة، فإذا لم يُواسِ الرجلُ فى سَنة المجاعة مِن ماله بالقدر الذى يجب عليه المواساةُ فى الجملة؛ فقد أثم، وقدرُ ذلك لا يعلمه حقيقةً؛ فالتوَقِّى من الإثم بالإكثار من الصدقة؛ أولى من التطوع بالحج الذى لا يأثم بتركه] اهـ.

بل فرَّع المالكية على القول بوجوب الحج على التراخي؛ تقديم الصدقة على حج الفريضة، ونصوا على أنه إذا تعينت المواساةُ على مريد حج الفريضة: فإنه يجب عليه تقديمها على الحج؛ للاتفاق على وجوب المواساة على الفور، بخلاف الحج الذى اختلف فى كونه واجبًا على الفور أو التراخى.

وعند الشافعية: أن الأصح تقديم سائر الوصايا -ومنها الوصية بالصدقة على الفقراء- على الوصية بحج التطوع؛ نظرًا إلى أن الحج من حقوق الله تعالى، والصدقة من حقوق الآدميين، وحقوق الله مبنية على المسامحة، وحقوق العباد مبنية على المشاحة، حتى جزموا بأنه لا وجه لتقديم الحج إلا إذا نص الموصى على تقديمه.

قال الإمام الرافعى فى "الشرح الكبير" [وهل يقدم حجُّ التطوُّع فى الثلث على سائر الوصايا؟ عن القفَّال: أنه على القولين فى تقديم العتق على سائر الوصايا؛ لأن الحج قربةٌ كالعتق، قال الشيخ أبو على رحمه الله: ولم أرَ هذا لأحد من أصحابنا، وجعلوا الوصية به مع سائر الوصايا على الخلاف فيما إذا اجتمع حق الله تعالى وحقوق الآدميين] اهـ.

وعند الحنابلة: نصَّ الإمام أحمد على أن إطعام الجائعين وإعطاء المحتاجين أفضل من حج التطوع، وعلى أن الصدقة عند الحاجة لا يَعدلها شيء؛ لأن نفعها عامٌّ ومتعدٍّ، كما نصَّ الحنابلة كذلك على أن الوصية بالصدقة أفضل من الوصية بحج التطوع.

قال علاء الدين المَرْدَاوِى فى "تصحيح الفروع" : [قلت: الصواب أن الصدقة زمن المجاعة على المحاويج أفضل، لا سيما الجار، خصوصًا صاحب العائلة، وأخص من ذلك القرابة، فهذا فيما يظهر لا يَعْدِلُه الحجُّ التطوع، بل النفسُ تقطعُ بهذا، وهذا نفع عام وهو متعدٍّ، والحج قاصر، وهو ظاهر كلام المجد فى "شرحه" وغيره. وأما الصدقة مطلقًا، أو على القريب غير المحتاج: فالحج التطوع أفضل منه] اهـ.

بناءً على ذلك: فإن الإنفاق على الفقراء والمحتاجين أفضل من عمرة التطوع، وقواعد الشريعة وحكمة الله تعالى واضحة فى توجيه العباد إلى فعل الخير على أساس تقديم الأهم والأصلح، وذلك يقتضى بأن يُقَدِّمَ السائلُ مصالحَ وحاجاتِ إخوانه من الفقراء والمحتاجين الذين هم فى مسيس الحاجة إلى ما يؤويهم، وما يستعينون به على قضاء حوائجهم الضرورية.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة