تعمل الدولة المصرية ممثلة في وزارة البيئة على استكمال مسار دعم الزراعة المستدامة، باعتبار قطاع الزراعة محور رئيسى في الاقتصاد المصري، وأحد أهم الموارد، واعداد نموذج رائد نحو الاستفادة من المخلفات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني لتحويلها لقيمة مضافة على الأصعدة الثلاث المرتبطة بملف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030 اقتصاديا وبيئيا واجتماعيا، حيث أن خطة الدولة قائمة على خط رئيسي وهو الإدارة المتكاملة للمخلفات لتحويلها لقيمة اقتصادية وعمل مشروعات مرتبطة بها، والمخلفات الزراعية الناجمة عن كل المحاصيل الزراعية وخاصة الأرز والقمح والقطن وقصب السكر، فهى محاصيل ينجم عنها كميات كبيرة من المخلفات، كان لا يتم التخلص الآمن منها وكان يتم حرقها في العراء.
خطى ثابته نفذتها وزارة البيئة للقضاء على ظاهرة الحرق المكشوف والتي عرفت إعلاميا باسم السحابة السوداء، وحماية البيئة، حفاظا على صحة وسلامة المواطنين، والحد من تلوث الهواء لتحويل المخلفات الزراعية لمشروعات متناهية الصغر لإعادة تدوير المخلفات لتصبح منتج جديد يتم استخدامه، خلال هذا التقرير نرصد تفاصيل الخريطة التفاعلية للاستثمار البيئي في ملف المخلفات الزراعية، وإتاحة فرص استثمارية في هذا الملف لإنتاج أعلاف وسماد عضوى ومنتجات ورقية ومواد لتشغيل افران الاسمنت.
45 مليون طن سنويًا حجم المخلفات الزراعية
التقديرات والإحصائيات الرسمية تشير إلى أن حجم المخلفات الزراعية حوالى 45 مليون طن سنويًا، وهو ما يمكن استغلاله في عمليات التصنيع، الامر الذى بناء عليه تقوم وزارة البيئة حاليا بإنشاء مصفوفة تحصر تلك المخلفات وأماكنها وتوقيعها على خريطة تفاعلية، وبالتالي يتم تحديد كيفية استغلالها مما يساعد في لمنع التدهور البيئي، وتوفير فرص عمل خضراء وتصنيع منتجات ذات عائد اقتصادي متميز، من خلال تكامل الأدوار بين الشركاء المعنيين، وتقديم نموذج رائد لنماذج التفاعل بين سلاسل القيمة، وفرص الأعمال لعدد من المخلفات الزراعية، كما فتح هذا النموذج المجال لاستقطاب فرص تمويلية وإقامة مشروعات متميزة.
من جانبه أكد محمد حسان، مدير وحدة دراسات مخاطر تغير المناخ بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، أن هناك مكاسب يمكن تحقيقها من إعادة تدوير المخلفات الزراعية؛ وتعزيز الاستدامة البيئية، وتوفير مصادر جديدة للدخل، علاوة على توفير فرص عمل، وتوفير منتجات ذات جودة عالية، وكذا تعزيز الابتكار والتطوير التكنولوجي، إضافة إلى الحد من التلوث البيئي والمساهمة في تقليل الانبعاثات.
تحويل التحديات لفرص
الدراسات التي نفذتها وزارة البيئة أكدت أن هناك عدد من التحديات واجهت إعادة تدوير المخلفات الزراعية، وفي مقدمتها غياب مفهوم النظام المُتكامل لتجميع المخلفات وتدويرها، وكذلك نقص دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية لاستغلال بعض المُخلفات الزراعية، إضافة لبعض المشكلات لتسويق وتصريف المنتج الناتج عن التدوير، وارتفاع تكاليف النقل، إضافة الى صعوبة التجميع وتواجد المخلفات في أماكن ومناطق متناثرة، ونقص الجهود الإرشادية والإيضاح العلمي للمُزارعين، بالإضافة الى ارتفاع أسعار مدخلات عملية المعالجة للمخلفات، ونقص الآلات، ونقص الفرص التمويلية لتوفير القروض اللازمة.
فيما أكد محمد معتمد عيسوي مساعد وزيرة البيئة للتخطيط والاستثمار والدعم المؤسسي والمشرف على وحدة الاستثمار البيئي والمناخي بالوزارة، أن وزارة البيئة سعت خلال الآونة الأخيرة بشأن تعظيم الاستفادة من المخلفات الزراعية، واستخدام المتبقيات الزراعية في صناعة الأعلاف، وتنفيذه في 4 محافظات كمرحلة تجريبية، و8 محافظات أخرى مع توسع تنفيذ المشروع.
إنتاج الوقود الحيوي
وأوضح "عيسوي" تمّ إجراء تحاليل على عينات من مخلّفات الذرة والقطن في معامل شركة السويس للأسمنت بشأن إنتاج الوقود الحيوي من المخلفات الزراعية، واستخدامه بمصانع الأسمنت، بالتنسيق مع جهاز تنظيم إدارة المخلفات ووزارة الزراعة، وأظهرت النتائج إيجابية من حيث الطاقة الحرارية، لاستخدام مصانع الأسمنت لتلك المخلفات، عبر مجموعة من الإجراءات، منها تحديد نقاط التجميع المخلفات الزراعية في المحافظات بالتعاون مع وزارة الزراعة، والتواصل مع شركات الأسمنت لحصر الشركات التي أبدت اهتماما للعمل في تصنيع الوقود الحيوي، وذلك من أجل تحديد المحافظات التي ستعمل بها كل شركة، مع تشبيك مصانع الأسمنت مع وزارة الزراعة لتحديد آليات جمع ونقل المتبقيات الزراعية، وتحديد السعر العادل لجمع ونقل المخلفات بالتعاون مع وزارة الزراعة، بجانب تحديد آلية عمل مصانع الأسمنت في التنفيذ سواء من خلال الإسناد المباشر أو طرحه للاستثمار، و تشبيك مصانع الأسمنت مع المحافظة لبدء العمل، والإشراف على آلية عمل مصانع الأسمنت في المحافظات عند بدء التشغيل.
خريطة استثمارية لتدوير المخلفات الزراعية
وزارة البيئة اعدت خريطة استثمارية لتدوير المخلفات الزراعية في مصر، وحصر وتحديد المخلفات الزراعية وأماكن تواجدها، وتحديد الصناعات التي يمكن أن تقوم على المخلفات الزراعية، وتحديد الفرص الاستثمارية التي تقوم عليها الصناعات، ووضع أولويات التسويق، وبلورة خريطة جغرافية من خلال إيجاد منصة تفاعلية لأماكن تواجد المخلفات، إلى جنب تخصيص أراضي للفرص الاستثمارية في أماكن تواجد المخلفات، ورفع وعي المزارعين بأهمية تعظيم الاستفادة من المخلفات الزراعية، إضافة الى تعزيز الحوافز من أجل تشجعيهم على ذلك.
خريطة الاستثمار تضم حوالى 27 مشروعا لحماية البيئة والمناخ، منها مشروع إنتاج علف الحيوانات المصنع من مستخلصات الفاكهة والخضروات لتجار التجزئة، ومشروع لإنتاج الفحم الحيوى وسخانات المصنعة من النفايات الزراعية لمزارع الدواجن، ومشروع لإنتاج الغاز الحيوي والسماد المصنع من فضلات الحيوانات للمنازل والدواجن وتربية الحيوانات، ومشروع لإنتاج علف حيوانى مصنع من الشعير لمربى الماشية، ومشروع لإنتاج الأعلاف المخمرة العامة للحيوانات المصنعة من المخلفات الزراعية لمربى الماشية، ومشروع لإنتاج الورق المعاد تدويره من النفايات الزراعية للمستهلكين، ومشروع لإنتاج علف حيوانى مصنع من قصب السكر لمربى الماشية، ومشروع الحصول على الإيثانول من دبس قصب السكر لصناعة الأدوية، ومشروع تصنيع عجينة من قصب السكر لصناعة الورق، ومشروع خدمة جمع قش قصب السكر، ومركز خدمة تجميع وتجفيف تفل (مصاصة) قصب السكر، ومشروع لإنتاج الألياف الزجاجية من نفايات الزجاج، ومشروع لإنتاج ألواح ألياف متوسطة الكثافة من المخلفات الزراعية لصناعة الأخشاب، ومشروع لإنتاج فرز وتفكيك النفايات الإلكترونى، ومشروع تحويل نفايات الإطارات إلى أسود الكربون، ومشروع تحويل النفايات الزراعية إلى فراش الألياف، ومشروع لإنتاج ألياف من نفايات الموز للمنتجات اليدوية.
الإطار التشريعي لإعادة تدوير المخلفات الزراعية
الدكتور طارق العربي، الرئيس التنفيذي لجهاز تنظيم إدارة المخلفات بوزارة البيئة أشار الى الإطار التشريعي لإعادة تدوير المخلفات الزراعية، قائلا:" أن قانون تنظيم إدارة المخلفات رقم 202 لسنة 2020، يستهدف القضاء على مشكلة المخلفات، وذلك من خلال إنشاء جهاز لتنظيم وإدارة المخلفات، ومتابعة كافة العمليات المتعلقة بإدارة المخلفات على المستوى المركزي والمحلي ، الامر الذى يحقق الارتقاء بخدمة الإدارة الآمنة بيئيًا للمخلفات بأنواعها، وجذب الاستثمارات فى مجال الأنشطة من جمع ونقل ومعالجة المخلفات والتخلص منها.
وأوضح رئيس جهاز المخلفات " أن اللائحة التنفيذية رقم 722 لسنه 2022 لقانون تنظيم إدارة المخلفات، وضعت عدد من الضوابط للتعامل مع المخلفات الزراعية، والتي تتمثل في اتخاذ جميع التدابير نحـو تخصيص وتوفير الأراضي اللازمة الكافية لإدارة المخلفات الزراعية، بما فيها إعادة استخدامها في المجالات المختلفة، وتقديم حزمة من الحوافز لدعم الشركات أو المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهيـة الصغر العاملة في مجال جمع ونقل وتدوير المخلفات الزراعية، وكذلك وضع الآلية اللازمة لتشجيع مولد المخلفات الزراعيـة علـى جمعها وكبسها في مناطق الزراعة، ثم نقلها إلى مراكز تجميع خاصة يحددها الجهاز، و تقديم الدعم الفني من تدريب وتأهيل وتوعية للعـاملين فـي منظومـة الإدارة المتكاملة للمخلفات الزراعية، وكذلك تخصيص جائزة سنوية من موازنة الجهاز لأفـضل المـشـاريع في مجال الإدارة المتكاملة للمخلفات الزراعية.
وتنص المادة 45 من قانون تنظيم إدارة المخلفات، على أنه يحظر إلقاء المخلفات الزراعية في المجارى المائية أو التخلص منها في غير الأماكن المخصصة لذلك، ولمولد المخلفات الزراعية، أو حائزها اتخاذ جميع التدابير اللازمة لإعادة استخدامها أو معالجتها في أماكن تولدها، أو في الأماكن التي تحددها الجهة الإدارية المختصة، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون التدابير التي يتعين على مولد المخلفات الزراعية اتخاذها.
تنص أيضا المادة 46 من القانون أنه على الجهات الإدارية المختصة ومديريات الزراعة، اتخاذ جميع التدابير نحو توفير الأراضى اللازمة والكافية لإدارة المخلفات الزراعية بما في ذلك إعادة استخدامها في المجالات المختلفة مثل علف للحيوانات أو كسماد عضوى أو كوقود بديل أو غيرها، كما تختص بالتنسيق مع الجهاز بالإشراف على تنظيم وتخطيط ومراقبة الإدارة المتكاملة للمخلفات الزراعية.
وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون الإجراءات التي يلزم على الجهات الإدارية المختصة اتخاذها لتحفيز معالجة المخلفات الزراعية وآليات نقل تلك المخلفات إلى المواقع الخاصة لمعالجتها وآليات التمويل والحوافز الاقتصادية لتعزيز منظومة الإدارة المتكاملة للمخلفات الزراعية.
اضرار حرق المخلفات
أذ أن عملية الحرق تسبب أضرارا بالغة للتربة الزراعية ، حيث تحول الطبقة الخصبة إلى أرض صماء بمرور الوقت، الامر الذى بدوره ينجم عنه التصحر، فضلا عن تكوين السحابة السوداء، حيث اعتاد المزارعون على التخلص من مخلفات القصب وأوراقه الجافة، بحجة التخلص من الآفات الضارة وتطهير الأرض وكثف الحكومة الحملات وتحرير محاضر وغرامات فورية وتوقيع أقصى العقوبات على المخالفين، حال استمرار أعمال الحرق للمخلفات.
مشروعات من المخلفات الزراعية
أولا سفير القصب
سفير القصب هو القشرة المغلفة لعيدان القصب وشوشة عود القصب، من المخلفات التي تعد كنز بيئى غير مستغل ، حيث يمكن تحويلها إلى سماد عضوى " كمبوست" وعلف حيوانى "سيلاج" كبديل لحرقها فى الحقل دون الاستفادة منها، وهو ماتم في العديد من المحافظات وخاصة محافظات الوجة القبلى اسوان وأسيوط ، حيث أن الأجهزة التنفيذية بأسوان تتصدى لتصاعد الأبخرة الدخانية الناتجة عن حرق مخلفات قصب السكر والموز، وتحظر التخلص من مخلفات المحاصيل بالحرق خاصة سفير قصب السكر والموز.
قش الأرز
من المشروعات المرتبطة بإعادة تدوير المخلفات الزراعية، مشروع إنشاء الألواح الخشبية متوسطة الكثافة (MDF) بالبحيرة، الذى يهدف المشروع إلى إنتاج 205 ألف متر مكعب سنويا من الألواح الخشبية متوسطة الكثافة، واعتمادا على 245ألف طن سنوياً من قش الأرز المصري كمادة خام، لتلبية جزء من احتياجات السوق المحلى، بالإضافة إلى المساهمة في الحد من التلوث البيئي الناتج عن حرق قش الأرز، وتبلغ التكلفة الاستثمارية للمشروع 351 مليون يورو.
انتاج ورق
المشروع يعد نموذج رائد في تعظيم الاستفادة من المخلفات الزراعية، متمثلة في قش الأرز واستخدامه كمادة خام رئيسية لإنتاج منتج ذو قيمة مضافة مرتفعة مثل الألواح الخشبية متوسطة الكثافة، إضافة الى انه سيقوم بسد جانب كبير من الاحتياجات المحلية، وإحلال نسبة كبيرة من الواردات من هذا المنتج وتوفير النقد الأجنبى ووضع مصر على خريطة المنافسة العالمية في تصنيع أخشاب.
انتاج اعلاف
وهو تقريبا نفس المشروع الذى يتم تنفيذه في اسوان واسيوط أيضا، حيث تم تخصيص مصنع تدوير المخلفات الزراعية، وتصنيع الأخشاب والذى تنفذه الهيئة بمنطقة بنى غالب بمركز أسيوط، بجوار مصنع السماد العضوى التابع للمحافظة، حيث تم الانتهاء من كافة إجراءات التخصيص للأرض، لإقامة المشروع، واستخراج التراخيص والبدء الفعلى للتنفيذ، لخدمة المحافظة والأهالي حيث يتم فرم المخلفات الزراعية والتخلص الآمن منها دون الإضرار بالبيئة والصحة العامة للمواطنين والقضاء على الحرق المكشوف.
انتاج سماد
أما في محافظة أسيوط فقد تم اتخذت إجراءات لدعم الاستفادة من المخلفات الزراعية بصورة صحيحة تخدم المجتمع والبيئة عن طريق إعادة تدويرها وتحويلها إلى سماد عضوى "كمبوست" وأعلاف عضوية للحيوانات "سيلاج" بالتعاون مع مديرية الزراعية ورؤساء الوحدات المحلية للمراكز والقرى
خريطة الاستثمار تضم حوالى 27 مشروعا
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة