منذ زمن يتجاوز العقدين، أدركت طبيعة المعادلة الأمنية في الصعيد، من واقع معايشة سكانه، حيث القبلية القائمة على العدل وعدم التنازل عن الحق، مهما كانت الضغوط، أدركت أن هذه العقلية تحتاج نمطا أمنيا مختلفا عن القاهرة الكبرى والوجه البحرى، فللصعيد قانونه الذى يتمسك به، والذى يرتكز على عدم التنازل عن الحقوق، يقتل أحدهم وهو يعرف أنه سيسجن أو يعدم، ومع ذلك يفعل، يدافع آخر عن بيته وممتلكاته ولا يتنازل مهما تعرض للعقاب، إنه محتاج لنوع معين من المعاملة الأمنية، يرتكز على مسارين، الأول هو النيابات ومن ثم المحاكم، والثانى هو الحل العرفى، والعرفى هو الأنسب في كثير من الأحيان خاصة قبل وقوع الجريمة، فإذا وقعت يكون المسلك القضائى.
والأمن العرفى يكون في وحدات المباحث، وفيه يتحول رئيس المباحث إلى شيخ عرب، يستدعى طرفى النزاع ويستمع لهم ويصدر حكمه فإذا وجد معارضة قوية استعان بشخصيات محل تقدير من الجميع للتوسط بين الطرفين، فإذا فشلت هذه الشخصيات تتكون لجنة من رموز القرية أو المدينة تعقد جلسة في ديوان مركز الشرطة بحضور المتخاصمين وتبحث في الأمر بعد الاستماع لطرفى النزاع ثم تصدر حكما إذا رفضه أحد الطرفين يتم رفع تقرير لرجال المباحث يكشف الطرف الباغى ومن ثم تتخذا الإجراءات القانونية.
هذا النوع من الأمن العرفى شاركت أنا فيه على مدار سنوات، بالتنسيق مع قيادات أمنية خاصة في أسيوط، ونجحت في حل مشكلات وفشلت في آخرى، وبمرور الوقت وجدت أهلى طرف في مشكلة على قطعة أرض وتدخلت للحل، لكنى لم أحقق ما أحققه لغيرى، والحق أقول لكم بأننى غضبت وقلت لنفسى: لماذا لم أقدرَ وأنا الذى ساهمت في حل كثير من المشكلات؟، لكن سرعان ما تحول الغضب إلى سعادة، لأن رجال المباحث في مركز أبوتيج بقيادة الضباط أحمد على وأحمد ناجى ومحمد العمدة ورغم علاقتى الجيدة بهم تعاملوا بما يجب وساووا بين الطرفين وربما كانوا أكثر قسوة على أهلى مقارنة بآخرين ارتكبوا نفس الفعل في زمن سابق.
والحق أقول أيضا إن سعادتي غامرة بما حدث، ذلك أن العدل والمساواة أساس كل شيء، ورضا الناس وعدم إحساسهم بالقهر والظلم أفضل من مجاملة ذوى السلطة والوساطة والمحسوبية، وتصورت أن هذه السلوكيات من رجال الشرطة وخاصة المباحث تتماشى مع الجمهورية الجديدة التي وضع حجر أساسها الرئيس عبد الفتاح السيسى وما زال يبنيها حتى اليوم، فالجمهورية الجديدة لا تقوم على الإنجازات الاقتصادية، ولا السيادة أو السيطرة على الحدود، ولا حرية الإرادة وحسب، بل تقوم على الأمن والأمان أيضا، تقوم على الرضا والمساواة بين المواطنين، حيث لا فرق بين فقير وغنى، ولا بين غفير ومدير، الجميع سواسية في وحدات المباحث كما هم في ساحات النيابات والمحاكم.
إن تقديرا كبيرا، وشكرا عظيما أقدمهما لكل رجال الشرطة في أرجاء مصر، وما كتابة هذا المقال إلا لإعلاء الحقيقة في زمن يحاول فيه البعض تلويث الثوب الأبيض، وما كتابة هذا المقال إلا لتشجيع رجال المباحث على الاستمرار في تحقيق الأمن بمنتهى المساواة بين المواطنين، فهم ملجأ لإعادة حقوق الناس ولحمايتهم من بطش ما تبقى من الفاسدين والمفسدين والذى وصفهم الله في كتابة الكريم "الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا"، والله من وراء القصد وعاشت مصر عظيمة ومستقرة ورائدة كما كانت أبد الدهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة